للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"غَيْرَ أني أُقدِّم أمام القول، وأبدأ قبل الجواب عن مسألتك، بذكْر صفة الفقيه الذي يجوز تقليده والفزَعُ إليه عند المشكلات، والانقياد إلى طاعته عند نزول المعضلات وحلول الشبهات، ثم أُتْبِعُ ذلك بالجواب عما سألتَ عنه؛ فإني أَرى هذا الاسم قد كثر المتسمُّون به مِن عامةِ الناس وكافّتِهم، وما ذاك إلا لأن البصائر قد عَشِيَتْ، والأفهامَ قد صَدِئتْ، وأُبهِمَتْ عن معنى الفِقْهِ ما هو، والفقيهِ مَن هو؟ فهم يُعَوِّلون على الاسم دون المعنى، وعلى المَنْظَرِ دون الجوهر.

ولذلك قال علي بن أبي طالبٍ كرَّم اللهُ وجهه"١ حين وَصَفَ المتجاسر على الفتوى بغير عِلْم: سمّاه أشباهُ الناس عالماً، ولم يُفْنِ في العِلْم يوماً سالماً.

وقال رضي الله عنه: "يوشك أن لا يَبْقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرةٌ وهي خَرابٌ من الهُدَى، علماؤهم شرُّ مَن تحت أَديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة، وفيهم تعود" ٢""".

"وسأَنعت لك معنى الفِقْهِ والفقيه من العربية والشريعة الإسلامية نعتاً جامعاً من الشهادة المقنعة، والدلالة الشافية، مختصِراً ذلك ومقتصِراً على بعض الرواية دون النهاية، وملَخِّصُهُ من الرواية بما فيه الكفاية، تلخيصاً يأتي على ما وراءه [ويغنى] عما سواه.


(١) لا مَساغ للتفريق-بهذا المصطلح في الدعاء-بين عليّ ?، وبين سائر الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين، ولعلّ هذا تصرّفٌ من النسّاخ، أو أَثر انتشار ذلك في تلك الأزمان.
(٢) ولعل الناظر يرى اليوم مصداق هذا الكلام؛ لما يراه من حال بعض الناس في هذا الأمر، للأسف.

<<  <   >  >>