أيضا:"من سأل الناس وهو غنٌّي عن المسألة، يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه" رواه أحمد، ومعناه: أن وجة المتسوِّل، يظهر يوم القيامة فيه جروح وخطوط تشوِّهه، وتذهب رونقه ونضارته، ذلك أن المتسوَّل أذهب بهاء وجهه بذلِّه للناس، وإظهار الدناءة لهم، وافتقاره وضعفه أمامهم.
كم نرى مظاهر التسوّل في هذا الشهر الكريم، وكيف يعمد المتسولون إلى تنويع الطرق، التي يستدرّون بها قلوب الناس، وينشدون عطفهم، ويظهرون الضعف والحاجة إليهم، وكيف أنهم يبتكرون طرقا متعددة في تسولهم، فهم يظهرون في المساجد والأسواق، والساحات المكتظة بالناس، وفي كل مرة يعرضون حالاتهم بصورة كاذبة، ينمِّقون عباراتهم، وينوعون مقالاتهم، بكلمات معسولة، وجمل مرتبة، ثم لا يقبلون إلا النقود فقط، فلو أعطوا طعاما أو لباسا أو أيّ أعيان أخرى، امتنع غالبهم من أخذها، مما يدل على عدم حاجتهم.
إن علينا محاربة التسول بهذه الصور التي نراها، فلا نعين هؤلاء المتسولين على الاستمرار في هذه العادة السيئة الممقوتة.
إن امتهان التسول، وجعله وسيلة للتكسب دليل على دناءة المتسول، وضعف إيمانه بالله، ورغبته عنه، وتوجُّهه بالسؤال إلى المخلوق، بدل أن يسأل خالقه، فهو يعرض حاجته على البشر، ويترك الله الرازق المعطي:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق، الآيتان (٢-٣) ] .