وقت الإنسان عمره، وهو مادة حياته الأبديّة في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، ومن عجائبه أنه يمر سريعا سريعا، دون أن نشعر به، فمن قطعه في طاعة الله تعالى، وأمضاه في عبادته فهنيئا له، ومن أمضاه في اللهو والغفلة، والأماني الباطلة، فموته خير من حياته، وسيندم حين لا ينفع الندم.
أوصى أحد الصالحين أخاه فقال:"يا أخي اعلم أن الليل والنهار، مراحل تنزل بالناس مرحلة مرحلة، حتى تنتهي بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في ليلك ونهارك زادا لما بين يديك فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب، والارتحال وشيك، فتزود لرحلتك إلى الدار الآخرة، واقض ما أنت قاض من أمرك قبل أن يفاجئك الموت.
إن أوقات رمضان أغلى الأوقات وأنفسها، فلذلك يجب استغلالها بالطاعة أحسن استغلال، واغتنامها قبل ذهابها، والمبادرة إلى عمارتها بالعبادة، والتقرب من الخالق جل في علاه، فلا تضيعها فيما لا يفيد، ولا تصرفها إلا فيما ينجيك يوم الوعيد، تُرى كم من الساعات تهدر في رمضان، في الليل سهر وجلسات، ولعب وتنقلات، وفي النهار نوم وغفلة عن الطاعات، وتخلف عن الصلوات.
ما أعظم خسارة من لم يقدر قيمة وقته، وعمل على قضائه في اللهو والغفلة، إن هذا قد جنى على نفسه، وعرضها للعقوبة، لأنه سيسأل يوم القيامة عنه، أين قضاه وفيم وظفه، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما عبد يقوم القيامة، حتى يسأل عن أربع وذكر منها: وعن عمره فيم افناه، وعن شبابه