إن عباد الله الصالحين، وأولياءه المخبتين،، لا يزيدهم مرور المواسم الفاضلة، إلا قربا من ربهم، ومضاعفة لأعمالهم، لأنهم منداومون على عمل الصالحات، في جميع الأزمنة والأوقات، وفي سائر الليالي والأيام، وهم متعلقون بخالقهم، لا يجدون اللذة إلا في مناجاته، ولا الراحة إلا بدعائه والتعرض لنفحاته، {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [سورة الفتح (٢٩) ] .
قد غرس الله في قلوبهم حب الطاعة، فهم يؤمنون بأن العمل لا ينقضي إلا بانتهاء الأجل، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر الآية (٩٩) ] فالموت هو الذي يقطع عليهم الاستمرار في فعل الخيرات ولذة المناجاة.
فسبحان من خالف بين قلوب العباد، وفرق بين الهمم، يمن على من يشاء بالهداية والتوفيق، ويصرف من أراد عنها.
هاهم رهبان الليل، الذين ألفت قلوبهم الطاعة، وأحبت نفوسهم العبادة، يواصلون السير في طريقهم، ويداومون على العبادة في ليلهم ويومهم، قد واصلوا استغلالهم قطار الطاعة ليواصل بهم رحلته في طلب المغفرة والرضا، والفوز بالجنة وبلوغ دار السعداء، إنهم يصومون في هذه الأيام، لأن نبيهم صلى الله عليه وسلم، حثهم على ذلك بقوله:"من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدر" رواه مسلم.
وذلك فضل عظيم من الله تعالى، الذي يعطي على الحسنة عشر أمثالها، ذلك أن شهر رمضان بعشرة أشهر، فهذه الأيام الستة، كل يوم منها بعشرة أيام، مجموعها ستون يوما، فكان صيام رمضان والأيام الستة باثني عشر شهرا، وذلك عام كامل، فسبحان من لا تنقص خزائنه.
إنها فرصة سانحة فاغتنمها، ولا تفرط في صيامها، واعزم على فعل هذه الطاعة قبل فوات وقتها، عسى أن تحظى بالقبول من خالقك ومولاك.