للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب،

....................................................................................................................

وهو قول جمهور المفسرين وبه يظهر وجه استدلال المصنف - رحمه الله تعالى - بالآية. وقال ابن القيم: أي تجعلون حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيب به يعني القرآن، قال الحسن: تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون، قال: وخسر عبد لا يكون حظه من القرآن إلا التكذيب.

قوله: "وعن أبي مالك الأشعري " أبو مالك اسمه الحارث الشامي صحابي تفرد عنه بالرواية أبو سلام وفي الصحابة أبو مالك الأشعري اثنان غير هذا.

قوله: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن " ستفعلها هذه الأمة إما مع العلم بتحريمها أو مع الجهل بذلك مع كونها من أعمال الجاهلية. يدل على أنه يجب على كل مسلم أن يجتنبها، والمراد بالجاهلية هنا ما قبل المبعث، وفاعلها آثم يجب أن ينهى عنها، ومتى وجد الشرك وجدت هذه الأمور المنكرة وغيرها من المنكرات. قال شيخ الإسلام: أخبر أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم ذما لمن لم يتركه، وهذا يقتضي أن كل ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم فهو مذموم في دين الإسلام، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها، ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم، وهذا كقوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ١ فإن في ذلك ذما للتبرج، وذما لحال أهل الجاهلية الأولى، وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة.

قوله: "والفخر بالأحساب " أي التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم وذلك جهل عظيم إذ لا كرم إلا بالتقوى كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ٢ ولأبي داود عن أبي هريرة مرفوعا: " وإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان "٣ الحديث.


١ سورة الأحزاب آية: ٣٣.
٢ سورة الحجرات آية: ١٣.
٣ أبو داود رقم (٥١١٦) في الأدب: باب في التفاخر بالأحساب، ورواه أيضا بنحوه وأخصر منه أحمد في "المسند" ٢/٥٢٤، والترمذي رقم (٢٩٥٠ – ٢٩٥١) في المناقب: باب في فضل الشام واليمن, وهو حديث حسن، كما قال الألباني في "صحيح الجامع" رقم (١٧٨٣) .

<<  <   >  >>