للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} ١.

..................................................................................................

وقوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فقد فارق المشركين بالقلب واللسان والأركان، وأنكر ما كانوا عليه من الشرك بالله في عبادته، وكسر الأصنام وصبر على ما أصابه في ذات الله، وهذا هو تحقيق التوحيد وهو أساس الدين ورأسه كما قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ٢ وأنت تجد أكثر من يقول لا إله إلا الله، ويدعي الإسلام، يفعل الشرك بالله في عبادته بدعوة من لا يضر ولا ينفع من الأموات والغائبين والطواغيت والجن وغيرهم، ويحبهم ويواليهم ويخافهم ويرجوهم، وينكر على من دعا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، ويزعم أن ذلك بدعة وضلالة، ويعادي من عمل به وأحبه وأنكر الشرك وأبغضه، وبعضهم لا يعد التوحيد علما ولا يلتفت إليه لجهله به وعدم محبته، فالله المستعان.

وقوله: "وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} قال العماد ابن كثير - رحمه الله تعالى -: أي من إحسانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله خائفون وجلون من مكره بهم كما قال الحسن البصري: " المؤمن من جمع إحسانا وشفقا. والمنافق من جمع إساءة وأمنا " {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} ٣ أي يؤمنون بآيات الله الكونية والشرعية لقوله تعالى عن مريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ٤ أي أيقنت أن ما كان فهو من قدر الله وقضائه وما شرعه الله، وإن كان أمرا فهو ما يحبه الله ويرضاه وإن كان نهيا فهو ما يكرهه الله ويأباه، وإن كان خبرا فهو حق كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} ٥ أي لا يعبدون معه غيره بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله الأحد الصمد الذي لا يتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه لا نظير له.. انتهى.

"قلت": فترك الشرك يتضمن كمال التوحيد ومعرفته على الحقيقة ومحبته وقبوله والدعوة إليه كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} ٦ وتضمنت هذه الآية كمال التوحيد وتحقيقه وبالله التوفيق.


١ سورة المؤمنون آية: ٥٧-٥٩.
٢ سورة البقرة آية: ١٣١.
٣ سورة المؤمنون آية: ٥٨.
٤ سورة التحريم آية: ١٢.
٥ سورة المؤمنون آية: ٥٩.
٦ سورة الرعد آية: ٣٦.

<<  <   >  >>