للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا

..................................................................................................

لَفَاسِقِينَ} ١وقال: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} ٢ وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير. والناجون - وإن كانوا أقل القليل - فهم السواد الأعظم، فإنهم الأعظمون قدرا عند الله وإن قلوا. فليحذر المسلم أن يغتر بالكثرة، وقد اغتر بهم كثيرون، حتى بعض من يدعي العلم اعتقدوا في دينهم ما يعتقده الجهال الضلال، ولم يلتفتوا إلى ما قاله الله ورسوله.

قوله: " إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه "فيه فضيلة أتباع موسى من بني إسرائيل ممن آمن منهم بالرسل والكتب التي أنزلها الله، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وغيرها. وكانت بنو إسرائيل قبل التفرق كثيرين وفيهم الأنبياء، ثم بعد ذلك حدث ما حدث من اليهود، وهذا الحديث يدل على أن التابع لموسى - عليه السلام - كثيرون جدا. وقد قال تعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ٣ أي في زمانهم وذلك أن في زمانهم وقبله ممن كفر بالله خلقا لا يحصون، كحزب جالوت وبختنصر وأمثالهم، ففضل الله بني إسرائيل بالإيمان، فصاروا أفضل أهل زمانهم، وحدث فيهم ما ذكر الله في سورة البقرة وغيرها من معصيتهم لأنبيائهم واختلافهم في دينهم، وقد ذكره الله تعالى محتجا به على اليهود الذين كفروا بمحمد صلي الله عليه وسلم، فتدبر ما ذكره الله تعالى من أحوالهم بعد الاختلاف. قوله: "ثم نظرت فإذا سواد عظيم ". وفي رواية "قد سد الأفق "، "فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ". فيه فضيلة هذه الأمة وأنهم أكثر الأمم تابعا لنبيهم صلي الله عليه وسلم، وقد كثروا في عهد الصحابة رضي الله عنهم. وفي وقت الخلفاء الراشدين ومن بعدهم فملئوا القرى والأمصار والقفاز وكثر فيهم العلم، واجتمعت لهم الفنون في العلوم النافعة، فما زالت في هذه الأمة على السنة في القرون الثلاثة المفضلة. وقد قلوا في آخر الزمان، قال شيخنا - رحمه الله تعالى - في مسائله: وفيه فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية، فالكمية الكثرة والعدد والكيفية فضيلتهم في صفاتهم، كما في هذا الحديث بقوله: "ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ".

قوله: "ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك " أي: الحاضرون في


١ سورة الأعراف آية: ١٠٢.
٢ سورة الروم آية: ٤٢.
٣ سورة الجاثية آية: ١٦.

<<  <   >  >>