للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم: فلعلهم الذي ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه فأخبروه، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن. فقال: ادع الله أن

..................................................................................................

ذكرهم هذا الحديث، وفيه أيضا فضل الصحابة رضي الله عنهم في مذاكرتهم العلم وحرصهم على فهم ما حدثهم به نبيهم صلي الله عليه وسلم حرصا على العمل به. وفيه جواز الاجتهاد فيما لم يكن فيه دليل لأنهم قالوا ما قالوا باجتهادهم، ولم ينكر صلي الله عليه وسلم ذلك عليهم، لكن المجتهد إذا لم يكن معه دليل، لا يجوز له أن يجزم بصواب نفسه، بل يقال: لعل الحكم كذا وكذا كقول الصحابة - رضي الله عنهم - في هذا الحديث.

قوله: " فخرج عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون "أي لا يطلبون الرقية من أحد ولا يكتوون إذا كان فيهم ما يستشفي بالكي منه، ولا يتطيرون والطيرة شرك فتركوا الشرك رأسا ولم ينزلوا حوائجهم بأحد فيسألونه الرقية فما فوقها وتركوا الكي، وإن كان يراد للشفاء. والحامل لهم على ذلك قوة توكلهم على الله وتفويضهم أمورهم إليه. وأن لا تتعلق قلوبهم بشيء سواه في ضمن ما دبره وقضاه فلا يرغبون إلا إلى ربهم، ولا يرهبون إلا منه ويعتقدون أن ما أصابهم بقدره واختياره لهم، فلا يفزعون إلا إليه وحده في كشف ضرهم، قال تعالى عن يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ١.

قوله: "فقام عكاشة بن محصن " صحابي مشهور شهد بدرا والمشاهد كلها مع النبي صلي الله عليه وسلم وهو من بني أسد بن خزيمة قتله طليحة بن خويلد شهيدا، وكان قد سار مع خالد بن الوليد لقتال أهل الردة فقاتل بني أسد لردتهم عن الإسلام، وكان فيهم طليعة وقد ادعى النبوة وصدقوه، فأكرم الله عكاشة على يده لما كان كافرا ثم بعد ذلك هداه الله إلى الإسلام، وجاهد الفرس مع سعد بن أبي وقاص، وصار له في الفرس وقائع معروفة في السير، وكان ممن استشهد في قتالهم في وقعة الحيرة المشهورة.

قوله: "فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم " فيه أن شفاعة الحي لمن سأله الدعاء إنما كانت بدعائه، وبعد الموت قد تعذر ذلك بأمور لا تخفى على من له بصيرة. فمن سأل ميتا أو غائبا فقد سأل ما لا يقدر عليه. وكل من سأل أحدا ما لا يقدر عليه إلا الله فقد


١ سورة يوسف آية: ٨٦.

<<  <   >  >>