فيبن سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر، ولهذا كانوا في الشفاعة على ثلاثة أقسام: فالمشركون أثبتوا الشفاعة التي هي شرك كشفاعة المخلوق عند المخلوق، كما يشفع عند الملوك خواصهم لحاجة الملوك إلى ذلك، فيسألونهم بغير أذنهم، ويجيب الملوك سؤالهم لحاجتهم إليهم فالذين أثبتوا مثل هذه الشفاعة عند الله مشركون كفار، لأن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يحتاج إلى أحد من خلقه بل من رحمته واحسانه اجابة دعاء الشافعين، ولهذا قال:{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (الزمر:٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} وقال عن صاحب يسن: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} وأما الخوارج والمعتزلة فأنهم أنكروا شفاعة نبيناً صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته، وهؤلاء مبتدعة ضلال مخالفون للسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع خير القرون.
القسم الثالث: أهل السنة والجماعة وهم سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان أثبتوا ما أثبته الله في كتابه وسنة رسوله ونفوا ما نفاه فالشفاعة التي أثبتوها هي التي جاءت بها الأحاديث، وأما الشفاعة التي نفاها القرآن كما عليه المشركون والنصارى ومن ضاهاهم من الأمة فينفيها أهل العلم والإيمان. مثل أنهم يطلبون من الأنبياء والصالحين الغائبين قضاء حوائجهم، ويقولون انهم إذا أرادوا ذلك قضوها، ويقولون أنهم عند الله كخوص الملوك عند الملوك يشفعون بغير أذن الملوك، ولهم على الملوك ادلال يقضون حوائجهم فيجعلونهم لله بمنزلة شركاء الملك، والله سبحانه قد نزه نفسه عن ذلك انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما الشرك نوعان: أصغر وأكبر. فالأكبر الذي يغفره الله إلا التوبة منه وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله وهو الشرك الذي يتضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} مع اقرارهم بأن الله هو الخالق وحده خالق كل شيء ومليكه وان آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت وانما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر شرك العالم يحبون معبوداتهم، ويعظمونها ويوالونها من دون الله.
وكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون إذا انتقص معبودهم وآلهتهم من المشائخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وإذا انتقصت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوديهم غضبوا غضب اليث إذا حرب، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها باطعامهم شيئاً رضوا عنه ولم تنكره قلوبهم، وقد شاهدنا هذا منهم نحن وغيرنا ونرى أحدهم قد اتخذ ذكر الهه ومعبودة من دون الله على لسانه أن قام وان قعد، وان عثر وان مرض، فذكر الهه ومعبودة من دون الله