للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التسليم، فلذا يجدر بي أن أنوّه١ بشأن هذا الموضوع، والكتابة فيه، وأن أشير إلى أن العناية بالسيرة والكتابة فيها ضرورة لازمة.

ضرورة العناية بالسيرة النبوية:

من المعلوم أن كل أمة لها أبطالها ورجالها الخالدون بأعمالهم، ومفاخرهم، فهي تحرص على تسجيل جميع ما يتصل بهؤلاء الأفذاذ من أبنائها، لأنها تعتبر ذلك مفخرة من مفاخرها، ومأثرة٢ من مآثرها، وليس ذلك فحسب، بل إنها تريد أن تظل حياة هؤلاء الرجال سيرة طاهرة نقية ترتادها الأجيال المقبلة لتقتدي بهم، وتسلك سبيلهم، وهذا ما فعلته الأمم الراقية ذات الحضارات الخالدة في سجل التاريخ. وإذا فعلت ذلك أية أمة من الأمم الأرض برجالها، فإن أمة الإسلام أولى بذلك وأحرى لأنه ليس لأمة من الأمم تاريخ مشرق وضاء، مثل ما لأمة الإسلام.

وما كانت تستطيع ذلك أو تحلم به لولا أن اختار الله منها أفضل الخلق أجمعين سيد الأولين والآخرين النبي الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت بسببه في سجل التاريخ، (وما كان لها ذكر) ثم أصبحت سيدة الأمم كلها، وخير أمة بما حباها الله به من نور الإيمان والقيام بمتطلبات الإسلام، فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس، وليست أمة من الناس.

وكان ذلك بفضل اقتدائها بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم، ومن هنا وجبت العناية بهذه السيرة العطرة، فهي سيرة مفردة من بين سائر الرجال والأبطال، لأنها سلمت من العيوب والمثالب، وكانت كلها فضائل ومناقب إذ هي معصومة بعصمة الله لصاحبها من الوقوع في الأخطاء البشرية التي لا يسلم منها عادة أحد من الناس فكانت حجة على الناس يجب تبنيها والعمل بمقتضاها، والبحث عن جميع ما يتصل بها بحثاً علمياً يعتمد على الدراسة النقدية المستندة


١ أنوه: نوّهت بالشيء ونوهته تنويهاً رفعته، ونوهت باسمه، رفعت ذكره. لسان العرب ١٧/٤٤٢.
٢ الأثرة والمأثرة، بسكون الثاء وفتحها وضمها: المكرمة لأنها تؤثر، أي: تذكر ويأثرها قرن عن قرن يتحدثون بها. وفي المحكم: المأثرة: المكرمة المتوارثة.
انظر: لسان العرب ٥/٦٢.

<<  <   >  >>