للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الألفاظ كلها صريحة في صحة جعل العتق صداقا، ومع هذا كله فقد صرفها بعض العلماء عن ظاهرها وأولها بتأويلات بعيدة فيها تكلف، من تلك التأويلات: دعوى الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في قول الطحاوي١، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لما أعتقها وجبت له عليها قيمتها فصح به العقد. ومنها أن هذا شيء قاله أنس بن مالك من قبل نفسه، لما لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق صداقا ... الخ.

والذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة بالذات هو العمل بنا نصت عليه الأحاديث وهي صريحة في هذا، لأن الأصل عدم الخصوصية، ولأن الراوي أعرف بتأويل ما روى، فما كان لأنس أن يقول شيئا من قبل نفسه، لا سيما أنه قد ورد عند الطبراني٢ وأبي الشيخ٣ عن صفية نفسها قالت: "أعتقني وجعل عتقي صداقي"٤.

وهذا يوافق ما قاله أنس رضي الله عنه، وصاحب القصة أدرى بها من غيره.

وقد تعرض لهذه المسألة ابن القيم في زاد المعاد أثناء كلامه على الأحكام الفقهية في غزوة خيبر وأيد القول بصحة جعل العتق صداقا، ورد على القائلين بغيره.

وهذا نص كلامه: "ومنها٥ جواز عتق الرجل أمته، وجعل عتقها صداقا لها، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره، ولا لفظ إنكاح ولا


١ انظر ص ٣١٤.
٢ هو الحافظ الإمام العلامة الحجة، بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي الشامي الطبراني، مسند الدنيا، وصاحب المعاجم الثلاثة. ولد عام (٢٦٠) وتوفي عام (٣٦٠) تذكرة الحفاظ للذهبي ٣/٩١٢- ٩١٧.
٣ هو حافظ أصبهان ومسند زمانه الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري صاحب المصنفات السائرة، المعروف بأبي الشيخ، ولد سنة (٢٧٤) وتوفي سنة (٣٦٩) المصدر السابق ٣/٩٥٤- ٩٤٧.
٤ فتح الباري شرح صحيح البخاري ٩/١٢٩.
٥ أي من الأحكام الفقهية المأخوذة من غزوة خيبر.

<<  <   >  >>