تزويج، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية، ولم يقل هذا قط خاص بي، ولا أشار إلى ذلك مع علمه بإقتداء أمته به، ولم يقل أحد من الصحابة إن هذا لا يصلح لغيره، بل رووا القصة ونقلوها إلى الأمة ولم يمنعوهم، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقتداء به في ذلك، والله سبحانه لما خصه في النكاح بالموهوبة قال:{خَالَصَةً لَّكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينِ} فلو كانت هذه خالصة له دون أمته لكان هذا التخصيص أولى بالذكر لكثرة ذلك من السادات مع إمائهم، بخلاف المرأة التي تهب نفسها للرجل لندرته وقلته أو مثله في الحاجة إلى البيان، ولا سيما والأصل مشاركة الأمة له، وإقتداؤها به، فكيف سكت عن منع الإقتداء به في ذلك الموضع الذي لا يجوز مع قيام مقتضى الجواز؟ هذا شبه المحال، ولم تجتمع الأمة على عدم الإقتداء به في ذلك، فيجب المصير إلى إجماعهم وبالله التوفيق".
ثم أيد بالقياس الصحيح أيضا فقال: والقياس الصحيح يقتضي جواز ذلك، فإنه يملك رقبتها ومنفعة وطئها وخدمتها، فله أن يسقط حقه من ملك الرقبة، ويستبقي ملك المنفعة أو نوعا منها، كما لو أعتق عبده وشرط عليه أن يخدمه ما عاش، فإذا أخرج المالك رقبة ملكه، واستثنى نوعا من منفعته لم يمنع من ذلك في عقد البيع، فكيف يمنع منه في عقد النكاح؟.
ولما كانت منفعة البضع لا تستباح إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وكان إعتاقها يزيل ملك اليمين عنها كان من ضرورة استباحة هذه المنفعة
جعلها زوجة وسيدها كان يلي نكاحها وبيعها ممن شاء بغير رضاها، فاستثنى لنفسه ما كان يملكه منها.
ولما كان من ضرورته١ عقد النكاح ملكه لأن بقاء ملكه المستثنى لا يتم إلا
١ الضمير في (ضرورته) يعود على الوطء وفي (ملكه) وبه يعود على العقد، والقياس الذي ذكره ابن القيم خلاصته: أن السيد أعتق الرقبة واستثنى جزء من المنفعة وهو الزواج بعقد، وهذا يصح في البيع. ففي النكاح من باب أولى. والسيد هو الذي يلي عقد نكاح أمته لغيرهن وقد صار النكاح إليه فهو الذي يعقد لنفسه ضرورة؛ لأن الانتفاع بالوطء لا يمكن إلا بطريق العقد وهو يملكه، فصح منه توليه لنفسه.