للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعمل به، كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب» «١».

ولحكمة بالغة أنزل الله جل ثناؤه كتابه باللسان العربي المبين، وجعله المعجزة الكبرى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان أهل العربية من أحق الخلق بفهمه وتدبر معانيه ودلالاته، وهم أولى النّاس بدراسته.

وحين أزمع ابن خالي وخال أولادي الدكتور دريد حسن أحمد على مواصلة دراسته العليا في لغة القرآن قبل ما ينيف على عشرين عاما، كان متوجها بكليته إلى كتاب الله العزيز الذي كان شغوفا به وهو صغير، ولازمه حياته، كما هو شأن المسلم المؤمن العارف بمنزلة كتاب الله في هذا الدين القويم، لذلك سعى جهده وبذل وسعه في أن يتخصص بجانب من جوانبه، وهي القراءات، في دراسته الرسمية الماجستيرية، فاتفقت معه يومئذ على اختيار واحد من أبرز كتب القراءات المشهورة المعتصرة المختصرة التي عني بها طلبة هذا العلم على مدى العصور، وهو كتاب «الوجيز» لأبي عليّ الأهوازي، ليكون تحقيقه ودراسته موضوعا لدراسته، ورجوت صديقي العالم الجليل الأستاذ الدكتور حاتم صالح الضامن ليشرف عليه، فرحب جزاه الله خيرا ووظف خبراته التحقيقية الجمة في إعانته على ضبط النص، وتوضيح دلالاته وإرشاده إلى أفضل السّبل المؤدية إلى ذلك.

وحين بدأ العمل كنت أتابعه خطوة خطوة إيمانا مني بأهمية هذا الموضوع وخطورته، ودفعا لما قد يقع في النص من خلل، رجونا دائما أن نتجنبه، وتثبيتا لقدم المحقق وهو يومئذ لمّا يزل في مطلع حياته العلمية، فكان بحمد الله ثابت الجنان لم تزل به الأقدام، متأنيا متأتيا بعمله حتى ظهر بهيئة علمية بارعة وصفة نافعة تسرّ محبي كتاب الله العزيز وأهل العناية به.

وقد قدم الدكتور دريد لهذا النص بدراسة معمقة عن الكتاب ومؤلفه وقعت في فصلين، خصص الفصل الأول منهما لسيرة الأهوازي تناول فيه اسمه ونسبه، ومولده ونشأته، وعنايته بالقراءات وقراءته القرآن الكريم في سن مبكرة على شيوخ بلده. ثم رحلته إلى البصرة وقراءته بها منذ سنة ٣٨٣ هـ على مجموعة من متعيني القراء فيها، ثم رحلته إلى بغداد مرورا بالبطائح سنة ٣٨٦ هـ، وقراءته على العديد من شيوخ بغداد حتى سنة ٣٩١ هـ- حينما تركها متوجها إلى دمشق ليستقر بها بقية حياته. وعني بتتبع شيوخه الذين قرأ عليهم في هذه البلدان، وما استفاده منهم، وتناول عنايته بطلب الحديث وروايته. ثم تتبع إحصاء تلامذته من طلبة القراءات الذين انثالوا عليه من كلّ حدب وصوب ورتّبهم على حروف المعجم، ورجع في كلّ ذلك إلى مجموعة من المصادر المطبوعة والعديد من


(١) من حديث أبي موسى الاشعري، أخرجه البخاري ٦/ ٢٣٤ (٥٠٢٠) وفي مواضع أخرى، ومسلم (٧٩٧).

<<  <   >  >>