للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدّاني: «أخذ أبو عليّ القراءة عرضا وسماعا عن جماعة من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ، وكان واسع الرّواية، كثير الطّرق حافظا» «١»، وقال تلميذه أبو محمد عبد العزيز الكتانيّ: «كان الأهوازيّ مكثرا من الحديث وصنّف الكثير في القراءات، وكان حسن التّصنيف، وجمع في ذلك شيئا كثيرا، وفي أسانيد القراءات غرائب كان يذكر في مصنّفاته أنّه أخذها رواية وتلاوة وأنّ شيوخه أخذوها رواية وتلاوة» «٢». وقال الذّهبيّ: «أما القراءات فتلقّوا ما رواه من القراءة بالقبول، وصدّقوه في اللّقاء، وكان مقرئ أهل الشّام بلا مدافعة معرفة وضبطا وعلوّ إسناد» «٣» وقال علامة عصره في القراءات شمس الدّين ابن الجزري- وكانت عنده كتب الأهوازي-: «وكان بدمشق الأستاذ أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إبراهيم الأهوازيّ مؤلّف الوجيز والإيجاز والإيضاح والاتّضاح، وجامع المشهور والشّاذ، ومن لم يلحقه أحد في هذا الشّأن» «٤» وقال أيضا: «صاحب المؤلّفات، شيخ القراء في عصره، وأعلى من بقي في الدّنيا إسنادا إمام كبير محدّث .. وأكثر من الشّيوخ والرّوايات فتكلّم فيه من قبل ذلك، وانتصب للكلام في الإمام أبي الحسن الأشعريّ، فبالغ الأشعرية في الحطّ عليه مع أنّه إمام جليل القدر أستاذ في الفن، ولكنّه لا يخلو من أغاليط وسهو، وكثرة الشّره أوقع الناس في الكلام فيه» «٥» فهذه شهادة لثلاثة من أئمة القراءات: أبو عمرو الدّانيّ، والذّهبيّ وابن الجزري، وناهيك بهم.

على أننا لا نشكّ بعد سبرنا لسيرته وشيوخه والإنعام في دراسة أقوال الثّقات من معاصريه، ودراستنا لبعض كتبه أو مما وصل إلينا من مقتطفات منها أنّ الرجل ابتلي بآفتين هما: الإغراب في الأسانيد، والتعصّب العقدي.

أما الإغراب فهو الانفراد بشيوخ لم يتابعه في الدرس عليهم أحد من أهل العلم فما هم بالمعروفين عند الآخرين. وهذا من غير شك إنّما أتى بسبب الشّره في الاستكثار من الشّيوخ وطلب الأسانيد العالية، وهي عادة قبيحة ابتلي بها الكثير من العلماء «٦»، وقد أشار الكتانيّ إلى ذلك «٧»، ونبّه عليها الذّهبيّ «٨» وابن الجزري «٩» في غير موضع من كتبهم.


(١) نقله الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
(٢) معجم الأدباء: ٣/ ١٥٤.
(٣) تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
(٤) النشر: ١/ ٣٥.
(٥) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٠٠٦ وانظر نهاية الغاية، الورقة ٤٣.
(٦) كان من أكبر عوامل تضعيف المحدثين للواقدي وتركه- على جلاله وعلمه- هو كثرة إغرابه (انظر دفاع ابن سيد الناس عنه في مقدمة كتابه: عيون الأثر.).
(٧) إرشاد الأريب: ٣/ ١٥٤.
(٨) انظر مثلا معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٥٦، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠ ... الخ.
(٩) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٥١١، ٣٦٣٧ وغيرهما.

<<  <   >  >>