للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خيالية، كما أتجنب الصورة الثانية لأنها تضطرني لذكر الكثير من تفاصيل شخصية، لا أرى مناسبة لذكرها هنا، وإنما أود أن يقرأها القارئ بين الأسطر، لأنها تكشف له دقائق الاستعمار وتجلي خططه، في الصراع الفكري.

إننا ذكرنا أن الاستعمار مُخرج لا يرى أين يقع الضوء على المسرح حينما يدور فيه فصل من فصول الصراع الفكري، وإذن سوف يكون من المفيد إن وجّه بعض الضوء على من يقوم بدور فيه، حتى لو كان ضوء شمعة جيب، محاولاً بذلك تجلية مهمة الصراع الفكري في وقت مناسب، أعني في الوقت الذي يجد العالم فيه نفسه مضطراً لخوض معركة الأفكار.

وربما أتاحت لنا هذه المحاولة تصوير الطابع الخاص الذي تتخذه هذه المعركة في البلاد المستعمرة، حيث تكون فيها-كما قلنا- منعزلة عن الشعور في الداخل وفي الخارج معاً.

ولسنا نشير بالشعور في الخارج، إلى الصحفي أو الكاتب التقدمي الأجني فقط؛ وقد بينا فيما سبق الدوافع التي تعزل هؤلاء نفسياً عن الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة، ولكننا نشير إلى المثقف العربي نفسه، الذي كافح ضد الاستعمار ضمن (جبهة وطنية)، إنه على الرغم من ذلك، أو على الأصح بسبب ذلك، لم يكتسب التجربة الشخصية التي تتيحها الظروف لمن وجد نفسه في وضع الفدائي، أي منفرداً في جبهة الصراع الفكري في بلاده.

إنه من الضروري لمن يريد أن يتعرف على وسائل الاستعمار في هذا الميدان، أن يكون له اتصال مباشر به، بينما لا يكون هذا الاتصال ممكنا لمن يكافح ضمن (جبهة وطنية) تموله وتحميه، وتحيطه بالاحترام، ثم تمنحه غالباً مركزاً يغبط عليه ..

أما الصحافي أو الكاتب التقدمي الذي يكافح في بلاده ضد الاستعمار، بالكتابة أو بالقول، فإن قوانين بلاده ذاتها تحميه من الأذى وتحمي أسرته،

<<  <   >  >>