للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولربما وضعت أفكاره أحيانا موضع التقديس، كما نرى أولئك الأحرار من الشعب الإنجليزي، الذين رافقوا المهاتما غاندي في طريق (الساتيا جراها) الذي قاد الهند إلى الاستقلال.

وهكذا يصبح للصراع الفكري ظروفه الخاصة بالنسبة لمن يجد نفسه متورطاً فيه- في بلاد مستعمَرة كالجزائر، أي في بلاد تجهل هي ذاتها، أن معركة أفكار تدور في أرجائها- فيتأتى هكذا للاستعمار أن يعزل من دخل المعركة، حتى ليجد نفسه في وضع الفدائي الذي يخوض المعركة على حسابه الخاص، دون أي قاعدة تموله وتسلح كفاحه.

إن ظروف البلاد المستعمَرة لم تترك لمن يدخل الصراع الفكري أن يختار، ولو قدرنا أنه قد اختار هو نفسه، هذا النوع من الكفاح، لكان في تقديرنا نوع من الاعتساف، لأننا نكون قد اتهمناه، بمقدار من البلادة لا يتصوره العقل أو بمقدار من البطولة لا يدعيه لنفسه.

فالأشياء تسير بصورة آلية، وطبقاً لقدر مقدور تفرضه طبيعة المعركة في البلاد المستعمَرة، ومقارنات أحوال ناتجة عن أوضاعها وظروفها الخاصة، فهذه الأشياء هي التي تقرر نوع المركة وتضطر من أراد أن يخوضها أن يكون في وضع الفدائي المنعزل.

ولكي تكون هذه الأشياء أكثر وضوحاً في أذهاننا، فلنتخذ من الواقع مثلاً يؤيد إيضاحها: إن ثورة تموز (يوليو) ١٩٥٢م في القاهرة كانت من أهم الحوادث بالنسبة للصراع الفكري، لأنها كنست عهد فاروق وآذنت بعهد جديد وكان لهذا الحدث تأثير شرارة كهربائية انطلقت في وعي البلاد العربية والعالم الإسلامي.

وبذلك دخلت التاريخ فكرة معينة تمثل شخصية جديدة تدخل مسرح الصراع الفكري.

<<  <   >  >>