الوراثة النفسية التي تنشأ، في أي الأحوال بينها وبين العنصرين السابقين، تدخل حتماً معهما في اطراد نفسي في تسلسل منطقي واحد.
وعليه فكل حكم يفصل الأغلوطة عن هذا الاطراد، سوف يكون على ضوء ما قدمنا، حكماً (ذرياً)، أي حكماً مخطئاً على المسألة.
وواضح أن ظهور ترجمة عربية لكتاب لم أُسْتَأذن في ترجمته، وإغفال نبذة منه عن حياة مؤلفه، (والأغلوطة) الناتجة عنهما تتصل كلها بالسلسلة نفسها من الوقائع. ويجب أن أكرر هنا مرة أخرى، أنني لا أحاول تفسير (علة) الأمر، وإنما أهدف إلى توضيح (كيفية) وقوعه كي لا ننجرّ إلى استطراد لا يناسب هذا المقام.
ومهما يكن من أمر فعلى ضوء ما قدمنا، نجد أن الواقعة التي نحن بصددها. لا تتركب من عنصر، هو الخطأ الذي صدر فيما يتصل بشخص في مقدمة (العروة الوثقى)، ولكن من عناصر ثلاثة: ظهور الترجمة السابقة وإغفال شيء منها، ثم الخطأ الذي ينتج عن ذلك.
فالوقائع الثلاث متماسكة، وإذا ما تناولناها بوصفها وحدة، كما يبق مجال لأن نصدر على جزء منها حكماً قائماً على مبدأ الصدفة، ولم تعد تمر علينا (الأغلوطة) بسيطة، كشأنها حين يلقي القارئ النزيه، نظرته الأولى عليها، بل إنها إذا ما نظرنا إليها نظرة تشمل صلاتها السياسية وطبقنا عليها منطق الصراع الفكري، تدل بكل بساطة، على أن الأفكار التي جئت إلى الشرق من أجل نشرها، قد وقعت داخل شبكة المراصد الفكرية التي سبقت الإشارة إليها، وأن حركتها أصبحت موضع رقابة معينة.
هذه هي النقطة التي كان علينا توضيحها أولاً، فها نحن أولاء قد أوضحناها هنا بقدر الإمكان.