للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما من حيث التحرير -وهو الجانب الذي يعنينا من البحث الذي بين أيدينا الآن- فقد رأيت أيها القارئ كيف أن لكل خبرٍ من الأخبار، أو حادثةٍ من الحوادث, طبيعةً تخالف طبيعة الحادثة الأخرى، فمن الخطأ إذن أن تكتب جميع هذه الحوادث أو الأخبار بطريقة واحدة، أو تطبق عليها قاعدة واحدة، فإن في ذلك بعدًا عن الذوق، وتجافيًا عن المنطق، وإهدارًا لحقوق القراء الذين ينصرفون عن الصحيفة, ومن حقهم أن يفعلوا ذلك إذا وجدوها لا تحسن عرض هذه المادة الهامة من مواد الصحف، وهي مادة الخبر.

وفي الجريمة يظن كثير من الناس -كما قلنا- أن مهمة الصحافة هي التشنيع، أو نشر عيوب المجتمع بشكل فاضح, كلَّمَا أمكن ذلك، ويقولون: إن في نشرها على هذا الوجه عظةً للقراء، وحفزًا للمفكرين في الإصلاح، كما يقولون أيضًا: إن وظيفة الصحيفة في هذه الحالة أشبه ما تكون بوظيفة "الكاريكاتور" ومن عمل هذا الفن الأخير تجسيم العيوب حتى تسترعي أنظار الخاصة والعامة، وهل يفعل الناقد الأدبيّ في قصة من القصص الاجتماعية أكثر من ذلك؟

وهذا كله صحيح إلى حد ما، ولكن أصح منه كما ذكرنا أن تراعي الصحف المحلية جانب الذوق في نشر الجريمة، وأهم من ذلك كله أن تصدر في نشرها عن رغبة صحيحة في الإصلاح، إلّا أن النية الحسنة من الأمور التي يصعب ضبطها في الحياة، والقصد الحسن من الميادين التي يكثر فيها الخداع والمغالطة في أكثر الأحيان، وعلى هذا ليس أمامنا إلّا أن نأخذ بظواهر الأشياء، فنحكم على صحيفة تنشر الجريمة بقصد الإثارة، أو الفضيحة، بأنها صحيفة آثمة في نظر الرأي العام، ومحكمة الرأي العام دقيقةً دائمًا في أحكامها, قادرة على تنفيذها على الصحف, مهما عظم سلطانها!

<<  <   >  >>