يقنعنا بأن هذه الحوادث، التي قصها علينا ممكنة الوقوع، وأن هذه الشخصيات التي تحدث عنها من الجائز أن توجد في الحياة.
ومهما يكن من شيء, فقد اتفق النقاد على أن المازني في "الأقصومة" أعظم أصالة منه في "القصة" والأولى هي التي تعنينا في هذا المجال، وهي التي امتلأت بها الصحف المصرية في فترة من الزمان، وهي ما أطلقنا عليه اسم "المقال القصصيّ".
وقد أشرنا إلى أهم الكتب التي جمعت فيها مقالات المازني القصصية، وبحسبنا هنا أن نضرب المثل عليها بأقصوصته التي نشرت بكتاب "صندوق الدنيا"١، وعنوانها:
حلاق القرية
وفيها يقول:
وقعت لي هذه الحادثة في الريف منذ سنوات عديدة, قبل أن تتغلغل المدنية إلى أقصى قراه، وكنت أنا الجاني على نفسي فيها، فقد عرض عليّ مضيفي أن أستعمل موساه فأبيت، وقلت ما دام أن للقرية حلاقًا فعليّ به، فحذرني مضيقي، وأنذرني ووعظني, ولكني ركبت رأسي، وأصررت أن يجيء الحلاق، فجاء بعد بعض ساعات يحمل ما ظننته في أول الأمر "مخلاة شعير" وسلم وقعد، وشرع يحييني ويحادثني حتى شككت في أمره، واعتقدت أن الحلاق شخص آخر, وأن هذا الجالس أمامي ليس سوى "طلائعه" ولما عيل صبري سألته عن حلاق القرية فابتسم, ومشط لحيته بكفه، وأنبأني أن الحلاق "محسوبي" -يعني: نفسه- فلعنته في سري، وسألته: متى ينوي أن يحلق لي لحيتي، أم لا يضرب الرمل والحصى أولًا؟ ويحسب الطالع قبل أن يباشر العمل؟ فلم يفهم ما أقول،
١ صندوق الدنيا، للمازني، ص ٧١، ط: دار الترقي للطبع والنشر بالقاهرة سنة ١٩٢٩.