للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الزمان، فقد اكتسب هذه الصفة من وجهين هما: الصدق أولًا، والتصوير النفسيّ أو السيكولوجيّ بعد ذلك.

وربما كان هذا هو السبب في تهافت الصحف في جميع أنحاء العالم على هذا النوع من الأدب، حتى أن بعض الصحف تشتري مذكرات فلان أو فلان من القادة والعظماء بأثمانٍ لا يرقى إليها الخيال، وتبذل في سبيل الوصول إليها طرقًا ممتعةً في الخفاء، ثقةً منها بأن هذه المذكرات إنما تزيد في عدد القراء، وعلمًا منها كذلك بأن هذه المذكرات تحرك في نفوسهم غريزة من أقوى الغرائز، هي غريزة حب الاستطلاع.

وفي النفس الإنسانية ميلٌ قويٌّ إلى معرفة الحقيقة حيث كانت، وقَلَّ أن نرى كتب التاريخ العام تكشف عن هذه الحقيقة، ولكن "شاهد العيان" أو الرجل الذي اشترك بنفسه في الحادث، ووقف بنفسه على خشبة المسرح, هو وحده القادر على أن يمد القراء بهذه الحقيقة، ومن هنا جاءت أهمية المذكرات في الأدب، كما جاءت خطورتها في الصحافة.

ولكن ليس معنى ذلك أن "أدب المذكرات" أو "أدب الاعترافات" خاصٌّ بالعظماء أو المشهورين فقط من الرجال والنساء، فالحقيقة غير ذلك؛ إذ المعروف أن في حياة كل إنسان في الوجود لونًا من الطرافة, ربما لا يكون في حياة الآخر، وقد تبدو الحياة مملةً أو عاديةً في نظرنا، ولكن فيها -مع كل ذلك- شيئًا يثير اهتمام الناس، ويودون لو عرفوه.

وإن كتابة المذكرات أو الاعترافات لا تتطلب من صاحبها -في الواقع- أكثر من الهدوء النفسيّ فترةً ما، واستحياء الماضي البعيد أو القريب، وتصوير ما يوحي به هذا الماضي تصويرًا يعين على تفهم النفس البشرية من حيث هي، ويعكس في الوقت ذاته صورةً للمجتمع الذي أحاط بالصحفي أو بالأديب في فترة من فترات الحياة البعيدة أو القريبة.

<<  <   >  >>