للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأديب, أنه إنما يجلس إلى صديق من أصدقائه، ويستمع إلى بعض إخوانه يدور معه حيث يدور، ويدخل معه في شجون من الحديث لا يحب أن يصل إلى نهايتها.

على أن "طه حسين" يعتبر مدرسةً صحفيةً لها تلاميذها في الوقت الحاضر، وهذه المدرسة تُمَثِّلُ -كما قلنا- إلى عربية الأسلوب، ولا يسهل على تلميذ من تلاميذها أن ينزل بأسلوبه إلى مستوى العامية مهما كانت الظروف الداعية إلى هذا النزول، وعلى الرغم من ذلك, فإن عربية هذه المدرسة من النوع الذي يخف على الأسماع بأكثر مما تخفف عليه اللغة الشعبية التي يتكلمها الناس في النوادي والطرقات العامة، وعند هذه المدرسة إيمانٌ عميقٌ بقدرة اللغة العربية الفصيحة على سد حاجات الصحافة التي هي في الحقيقة نوع من الأدب الإقليميّ، أو الواقعيّ، وهو أدب تلزم -له في الواقع - لغة أخرى إلى جانب اللغة الفصيحة.

ومثل كتاب "الأيام" في مجال المقال الذي على شكل اعتراف, كل من كتاب "حياتي" للأستاذ أحمد أمين، و "مذكرات مدمن على الحشيش" لطبيب اسمه "الجريدني" نشر هذه المقالات في مجلة الهلال بدون توقيع، وكتاب "عالم السدود والقيود" للأستاذ عباس العقاد عن حياته في السجن.

وتعتبر هذه الكتب وأمثالها بحقٍّ من الكتب التي نقلت الأدب العربيّ من طورٍ إلى طورٍ، ومن حالةٍ إلى أخرى.

فقد كان هذا الأدب العربيّ أرستقراطيًّا في العصور الوسطى، فأصبح عن طريق هذه الكتب، وبتأثير الصحافة بنوع خاصٍّ، ديموقراطيًّا بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة.

والحق أن أدب المذكرات يعتبر من أروع الآداب الحديثة، كما يعتبر أثرًا من آثار الصحافة، ومن حق هذا النوع من الآداب أن يكون خالدًا

<<  <   >  >>