للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعاء "اللطيف" ينتظر أن تدور به الأرض، وينشق له الحائط، ويمثل الخادم بين يديه، ولكن شيئًا من ذلك لم يكن، وخرج الصبيُّ إلى صاحبه هادئًا مطمئنًا، فأخبره أن قد دارت الأرض وانشق الحائط، ومَثُلَ الخادم بين يديه، وسمع منه حاجته، ولكنه لم يشأ أن يجيبه إليها حتى يمرن على هذه الخلوة، ويكثر من الصلاة وإطلاق البخور، وذكر الله، وضرب له موعدًا لقضاء هذه الحاجة شهرًا كاملًا يأتي فيه هذا الأمر في نظام، فإن فسد هذا النظام فلا بد من استئناف الأمر شهرًا كاملًا آخر.

وصدَّقَ الصبيُّ صاحبه، وأخذ يلح عليه في كل يوم أن يخلو إلى النار ويردد الدعاء، وأخذ الصبيُّ يستغلُّ من صاحبه هذا الضعف، ويكلفه ما شاء من مشقة وعناء، فإن أبى أو أظهر الإباء, أعلن إليه صاحبه أنه لن يخلو إلى النار، ولن يدعو اللطيف, ولن يلتمس العصا، فيذعن إذعانًا سريعًا.

على هذا النحو أخذ "طه حسين" يقص تاريخ حياته، ويكتب فصولًا على شكل مقالاتٍ يبعث بها إلى مجلة الهلال، فيقبل القراء على قراءتها بشغفٍ شديدٍ، وحين انتهى من وصف طفولته، وصدر من شبابه, أشير عليه بأن يجمع هذه الفصول في كتاب، فجمعها باسم: "الأيام".

ونعود إلى الحديث عن أسلوب "طه حسين" فتراه يتميز بصفات جعلت منه صحفيًّا ناجحًا إلى جانب أنه عالم وأديب، على أن الجانب الصحفيَّ في شخصية "طه حسين" هو الذي يعنينا في هذا الفصل.

فمن الصفات التي أعانته على النجاح في ميدان الصحافة صفةُ السهولة في التعبير، والأسلوب الموسيقيّ العذب المتموج، والواقعية في التصوير، والإيناس في إجراء الحديث، حتى ليشعر القارئ لمقالٍ من مقالات هذا

<<  <   >  >>