للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حول غيره، ومنها المتيبس المتحجز، ومنها المسترخي المترهل، وعلى كل حالٍ, فقد خرجت هضبة عالية ما لت من شغافها إلى الأمام شعبة طويلة, أطل من فوقها على الوادي رأس فيه عينان زائغتان طلة من يرتقب السقوط إلى قرارة ذلك المهوى السحقيق.

وزيور عند الناس مجموعة متباينة متناقضة متشاكسة، فهو عندهم كريم وبخيل، وهو شجاع ورعديد، وهو ذكيٌّ وغبيٌّ، وهو طيب وخبيث، وهو داهية وغر، وهو عالم وجاهل، وهو عف وشهوان، وهو وطنيٌّ حريص على مصالح البلاد، وهو مستهتر بحقوق وطنه يجود منها بالطارف والتلاد.

كل أولئك زيور، وكل هذا قد يضيفه الناس إلى زيور، فلا تكاد تسعهم مجالسهم بما يأخذهم فيه من الدهشة والاستغراب، وإذا كان مما لا يمكن في الطبيعة أن يستقيم لرجل واحد، فقد غلط الناس إذ حسبوا زيورًا رجلًا واحدًا، والواقع أنه عدة رجال، وعلى الصحيح هو عدة مخلوقات، لا تدري -كما حدثتك- كيف اتصلت، ولا كيف تعلق بعضها ببعض!

فإذا أدهشك التباين في أخلاقه، وراعك هذا التناقض في طباعه، فذلك لأن هذا الجرم العظيم الذي تحسبه شيئًا واحدًا مؤلف في الحقيقة من عدة مناطق، لكل منها شكله وطبعه، وتصوره، وحظه من التربية والتهذيب، فمنها العاقل، ومنها الجاهل، ومنها الحكيم، ومنها الغر، ومنها الكريم، ومنها البخيل، ومنها المصريّ، ومنها الجركسيّ، ومنها الفرنسيّ، ومنها الإنجليزيّ، ومنها المالطيّ، كل منها يجري في مذهبه، ويتصرف في الدائرة الخاصة به, فلا عجب إذا صدر عن تلك المجموعة الزيورية كل ما ترى من ضروب هذه المتناقضات!

والظاهر أن زيور باشا -برغم حرصه على كل هذه الممتلكات الواسعة- عاجز تمام العجز عن إدارتها، وتوليها بالمراقبة والإشراف، وما دامت الإدارة المركزية قد فشلت كل هذا الفشل، فأحرى به أن

<<  <   >  >>