للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجريدة معًا. وكما قال أحد أساتذة الصحافة في الجامعات الأمريكية لطلبته كلما دخل حجرة البحث أو المحاضرة "انشروا الخبر- أيها الطلبة- دائمًا بالطريقة التي تستطيعون أن تقرءوه بها على آبائكم وأمهاتكم وإخوانكم في منازلكم الخاصة"! ومعنى ذلك إذن: أنك حين تنشر الخبر, وترى فيه كلمة نائية، أو عبارة مقذعة، أو أسلوبا يخدش الشرف، وتحس أنك غير قادر على أن تقرأ ذلك على أبيك أو أمك أو أختك في منزلك، فمن المروءة والشرف في هذه الحالة أن تحذف هذه العبارة, وتأتِي بأخرى غيرها, قد تؤدي معناها على وجه التقريب, ولكن ليس من المروءة والشرف أن تختفي وراء الكلمة المطبوعة, وتتركها تنفث السموم القاتلة في البيت والطريق والنادي والمقهى, إلخ.

وقد ذكرتني كلمة الأستاذ الجامعيّ المتقدمة, بما كان يفعله الأدباء المصريون في القرنين السادس والسابع للهجرة، ففي تلك الفترة من فترات الأدب المصريّ, اخترع النقاد المصريون فنونًا كثيرةً من البديع؛ منها فنٌ أطلقوا عليه اسم: "النزاهة" وقالوا في تعريفه يومئذ:

"النزاهة هي أن ينزه الكاتب أو الشاعر نفسه عن ألفاظ الفحش والبذاءة, حتى يكون الهجاء -كما قال أبو عمرو بن العلاء: تنشده العذراء في خدرها فلا يقبح عليها".

أليس معنى ذلك أن "النزاهة" صفة من صفات الأدب المصريّ منذ العصور الوسطى إلى اليوم؟

أليس معنى ذلك أن "النزاهة" طابع تمتاز به الشخصية المصرية في الأدب منذ ذلك العهد؟

أليس معنى ذلك أن القيم الإنسانية نفسها خالد بخلود النفس البشرية ذاتها، وأن في بقائها ما ينذر الأشرار من الكتاب والأدباء بالويل؟

إننا نرجو حين نؤرخ للصحافة المصرية دائمًا أن نجد لها هذا الطابع الذي امتاز به الأدب المصريّ منذ عصوره الأولى، وإذ ذاك نطمئن إلى

<<  <   >  >>