للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فن القصة القصيرة:

إن الذي لا ريب فيه أن القصة القصيرة أدنى إلى الأدب الواقعيّ بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، ومن هنا جاءت ملاءمتها للصحف، وأصبحت من المواد اللازمة لها منذ ظهور الصحافة، والصحافة في ذاتها أدبٌ واقعيٌّ قبل كل شيءٍ؛ لأنها تعنى بالمجتمع, وبما يقع فيه من أحداث.

ولقد كان الكاتب الفرنسيّ الشهير "جي دي موباسان" من كتاب النصف الثاني من القرن التاسع عشر, أول كاتبٍ رسم للقصة القصيرة طريقًا جديًّا بالمعنى الصحيح.

ذهب هذا الكاتب إلى أن القصة القصيرة ليس من الضروريّ أن تدور حول الأحداث الخطيرة، بل يغلب عليها أن تدور حول الأمور العادية التي تحدث للناس كل يوم، وفي ذلك ما قد يكشف عن أشياء كثيرة في النفس البشرية التي يهم القارئ أن يعرف عنها الشيء الكثير.

ومن هنا كانت الأحداث في القصة القصيرة عند هذا الكاتب أحداثًا عاديةً, وكان الأشخاص في القصة أشخاصًا عاديين، وكانت مواقف القصة مواقف عادية، وبهذه المواقف العادية استطاع الكاتب أن يفسر الحياة تفسيرًا سليمًا، وأن يكشف فيها عن زوايا خفيةٍ، وأن يشرح النفس الإنسانية شرحًا دقيقًا.

وبينما كان "جي دي موباسان" هذا يكتب القصة القصيرة بأسلوب سهلٍ, يدنو كثيرًا من أسلوب الصحافة، إذا بالكاتب الروسي "تشيكوف" يعمد في كتابة قصصه إلى أسلوبٍ بعيدٍ كلَّ البعد عن أسلوب الصحافة، وبذلك عمل على أن تستعيد القصة القصيرة مكانتها من حيث البلاغة والأناقة وسمو التراكيب.

<<  <   >  >>