للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الطبقة الأولى فهي التي تسمع وتقرأ، وتناقش وتفهم، وتكَوّن لنفسها رأيًا ما في نهاية الأمر, وأما الطبقة الأخيرة فلا عمل لها إلّا السير وراء الزعماء والقادة, منساقةً لهم، متأثرةً بهم وبآرائهم.

ومن ثَمَّ تجد أفراد هذه الطبقة الأخيرة يتبعون أول ناعقٍ، ويستحييون لأول صيحةٍ، ويسلكون سبيل الهياج أو الثورة، ولا يملكون لأنفسهم القدرة على مناقشة المسائل التي ثاروا من أجلها، والمشكلات التي أبدوا سخطهم عليها, وعلى ذلك تنبغي التفرقة دائمًا بين:

١- الرأي العام: وهو ما يصل إليه المجتمع الواعي بعد تقليب وجهات النظر المختلفة، والآراء المتعارضة.

٢- والسخط العام: وهو ما تصل إليه الجماهير بمجرد الإثارة والانفعال برجل واحد فقط، أو فكرة واحدة فقط، أو زاوية واحدة فقط, لا تكاد تسمح لغيرها من زوايا النظر الأخرى أن تظهر إلى جانبها.

٣- والاتجاه العام: وهو ما يكون نتيجةً لاتفاق الجماهير على شيءٍ معينٍ يرون فيه صيانة لتقاليدهم، أو دفاعًا عن دينهم، أو محافظةً على تراثهم، ونحو ذلك.

أجل, تنبغي التفرقة الواضحة بين هذه الكلمات الثلاث:

فالرأي العام هو -كما قلنا- نتيجة البحث والدرس والتجربة والفحص, وهو من هذه الناحية يعتبر قوة خالقة، وإن كان في بعض الأحيان -وإلى حدٍّ ما - يعتمد على ماضي الأمة، وعاداتها, وتقاليدها، وعلى ما يسمى بالنزعات أو الاتجاهات العامة فيها.

ومن ثَمَّ كان الوعي القوميّ في بلد من البلاد, إنما يقاس بالرأي العام في كل بلد، ولا يقاس مطلقًا بالسخط العام في هذا البلد، اللهم إلّا نادرًا

<<  <   >  >>