للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يومًا بعد يومٍ, بصور مختلفةٍ، والصحيفة بهذا التكرار أشبه شيء بقطرات الماء التي تسقط تباعًا وباستمرار على صخرةٍ قويةٍ، ولا بد لها يومًا أن تخرق هذه الصخرة، وقد تصل إلى تحطيمها وتهشيمها في نهاية الأمر.

غير أنه من الخطأ مع هذا وذاك, أن تعتقد أن الصحافة تصنع الرأي العام بكل ما في هذه الكلمة من معنًى. فإن الأولى من ذلك أن يقال: إن الصحافة تأخذ من هذا الرأي وتعطي، وتؤثر فيه وتتأثر به، تقود الشعب وتنقاد له، توجه الحكومات وتتلقى توجيهاتها, وهكذا.

ومن ثَمَّ, نجد الفرق واسعًا بين الرأي العامِّ في أمة متعلمةٍ ناهضةٍ واعيةٍ، والرأي العام في أمةٍ جاهلةٍ نائمةٍمتغافلة.

الأولى: تستطيع الاستفادة من الصحافة، أو بعبارة أخرى: تؤثر فيها وتتأثر بها.

والثانية: عاجزة عن الانتفاع بالصحافة، ولا دخل لها تقريبًا في تكوين الرأي العام الذي تُعْنَى به الصحف,

وفي هذا المعنى يقول الأستاذ "توماس جيفرسون" عبارته المشهورة: "إنني لا أستطيع الاعتقاد بأن الصحافة قد بلغت غايتها إلّا إذا أصبح كل إنسانٍ يعرف القراءة والكتابة, ويعرف كيف يقرأ الصحيفة".

"والخلاصة" حتى الآن, أن الأمانة الصحفية تُحَتِّمُ على الصحف أن تتوخى الدقة في رواية الأخبار, داخلية كانت أم خارجية, كما تحتم عليها كذلك ألَّا تنظر إلى الربح الماديِّ وحده، بأن تعرض الأخبار على الجمهور عرضًا ينطوي على سوء القصد قبل كل شيء، أو بأن تُحَرِّفَ الأخبار تحريفًا يبعدها عن الحقيقة كل البعد.

ذلك أن الصحافة مسئولةٌُ عن توجيه الأمة، مسئولةٌ عن تكوين الرأي العام الناضج فيها، وهذه المسئولية في الأمم الضعيفة, أو الجاهلة, أو المتأخرة, أثقل منها بكثير في الأمم القوية المتعلمة المناهضة.

<<  <   >  >>