للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حينما وضع القوانين التي تخوّل الحكومة حق الرقابة على الصحافة, إنما قصد في الحقيقة إلى حماية المصالح العامة، والذود عن التقاليد التي تواضع عليها الناس، فأخذهم بشيء من التحفظ في إبداء الرأي، حتى لا تضر الحرية المطلقة بكيان الفرد أو المجتمع، من أجل ذلك تحرص الحكومات على فرض شيء من الرقابة على الصحف، وتتخذ هذه الرقابة الحكومية مظهرين في الغالب:

أولهما: مظهر الرقابة الاستثنائية في وقت الحروب والثورات، فإذ ذاك تخضع البلاد للأحكام العرفية التي تتيح للحاكم العسكريّ أن ينظر في كل خبر صحفيٍّ قبل نشره، وذلك عن طريق الرقيب الذي يكون له مطلق الحرية في حذف ما يريد, وإثبات ما يريد.

وثانيهما: مظهر الرقابة الجزئية، وذلك عن طريق القضاء؛ إذا ينظر القانون إلى رئيس التحرير على أنه المسئول الأول عن كل ما ينشر في صحيفته؛ من خبر يكون ضارًّا بالفرد أو بالمجتمع, وكاتب المقال يعتبر شريكًا لرئيس التحرير في هذه الحالة.

وعلى الرغم من هذا وذاك، فمن الحقِّ أن يقال: إن الشارع في هذه المحاولات قد يتجاوز الحد في تنظيم حرية الرأي, حين لا يكتفي بالقيود الضرورية لحماية الدولة أو المجتمع، بل يعمد إلى وضع العراقيل في سبيل هذه الحرية، وقصده منها -في الأعم الأغلب- أو التعليق على تصرفاتهم، أو محاسبتهم على أخطائهم التي يرتكبونها أحيانًا ضد شعوبهم، من أجل ذلك حرصت الشعوب كلها -حينما وضعت دساتيرها- على أن تنص في هذه الدساتير كلها نصًّا صريحًا على ضمان حرية الرأي، والنظر إلى هذه الحرية على أنها حقٌّ طبيعيٌّ لا غنى عنه للفرد.

وعلى هذا فالواجب أن تكون الصحافة حرةً لا رقيب عليها من جانب

<<  <   >  >>