للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولدينا مثالٌ يوضح هذه الحقيقة، هو جريدة "الديلي هرالد" الإنجليزية.

وهي جريدة حزب العمال في انجلترا، فقد كانت في أول أمرها تملأ كل صفحاتها بالدعاية لحزبها، فسرعان ما منيت بالفشل، وقَلَّ انتشارها إلى درجةٍ لا تحتمل، فلم يكن من مجلس الإدارة إلّا أن اجتمع، وقرَّرَ ألّا تزيد نسبة الدعاية الحزبية في الصحيفة عن عشرة في المائة، وفي النسبة الباقية من هذه الجريدة تنشر الموضوعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مما يُعْنَى به الجمهور القارئ عنايةً كاملةً.

بقي أن نشير في ختام هذا الفصل إلى أمرين هامَّين, يتصلان اتصالًا قويًا بما للخير من خطورةٍ كبيرةٍ في الصحف:

أما أول الأمرين: فهو "الحاسة السادسة" التي لا بد منها للصحفيّ, حتى يكون أقوى من غيره من الناس فهمًا لقيمة الخبر، وتقديرًا لأهميته, ويكون أعظم قدرةً على التمييز بين خبرٍ جديرٍ بالنشر، وآخر لا يستحق هذه الصفة, والحق أنه كما يمتاز الشاعر بأنه رجلٌ مرهف الحسِّ أكثر من غيره من الناس؛ فهو إذا فرح كان فرحه أكثر من فرحهم، وإذا حزن كان حزنه أشد من حزنهم، وهو إذا انفعل بالأحداث كان في انفعاله بالأحدث أعمق, وهكذا, فكذلك ينفرد الصحفيُّ بقدرته على فهم الأحداث الجارية، والتمييز بين الأخبار العامة، ومن الخطأ كلَّ الخطأ -كما يقول الصحفيون المجربون- القول بأن الأنباء إنما تولد من غير أن نشعر بها، فإن هذه الحاسة الصحفية -أو الحاسة السادسة- التي نتحدث عنها, هي التي ترشد الصحفيُّ دائمًا إلى أهمية الخبر من ناحيةٍ، وإلى المصادر الصحيحة التي يستقي منها هذا الخبر من ناحيةٍ ثانية.

وأما ثاني الأمرين اللذين يتصلان اتصالًا وثيقًا بالخبر؛ من حيث هو: "قدسية الخبر" وواجب الصحفيّ نحو الأخبار دائمًا هو الواجب الذي

<<  <   >  >>