كأن يقول الشارع مهما رأيتموني أثبت الحكم الفلاني في الصورة الفلانية فاعملوا إني أثبت الحكم الفلاني فيها أيضا وذهب الأقلون إلى امتناع ذلك واحتجوا بأن الحكم إذا كان علة لحكم آخر فلا بد وأن يكون مقارنا له لأنه إن لم يقارنه فإما أن يكون متقدما عليه فيلزم وجود العلة مع تخلف المعلول عنها وهو غير جائز ولو سلم جوازه فلا ريب في أنه مخالف للأصل فلا يجوز إثبات العلة بهذه الصفة إلا عند قيام الدليل عليه أو يكون متأخرا عنه والمتأخر لا يكون علة للمتقدم فثبت أنه لا بد في كونه علة من المقارنة وعلى هذا فلا يكون الحكم علة إلا على تقدير واحد من ثلاثة وهو احتمال المقارنة والاحتمالان أغلب واحد والتعليل به لا يصح على تقديرهما فكان عدم التعليل به راجحا على التعليل به لأنه ثابت على احتمالين من ثلاثة والعبرة بالراجح دون المرجوح
وأجاب بأنا لا نسلم أن يمتنع كونه علة على تقدير تأخره فإن العلة هي المعرف ويجوز أن يكون المتأخر معرفا للمتقدم كالعام للصانع وحينئذ يندفع ما ذكرتم ويكون التعليل به ثابتا على احتمالين من ثلاثة فيكون راجحا وقد ذهب الآمدي في المسألة إلى تفصيل مبني على ما لا نوافقه عليه فلذلك لم نورده
قال "قالت الحنفية لا يعلل بالقاصرة لعدم الفائدة قلنا معرفة كونه على وجه المصلحة فائدة ولنا أن التعدية توقفت على العلة فلو توقفت هي عليها لزم الدور"
المسألة الخامسة أطبق الناس كافة على صحة العلة القاصرة وهي المقصورة على محل النص المنحصرة فيه التي لا تعداه إذا كانت منصوصة أو مجمعا عليها كما نقله جماعة ومنهم القاضي أبو بكر في التقريب والإرشاد فيما إذا كانت منصوصة وجعلوا محل الخلاف في المستنبطة والذي ذهب إليه الأكثرون منهم الشافعي والأصحاب ومالك وأحمد والقاضيان أبو بكر وعبد الجبار وأبو الحسين وعليه المتأخرون كالإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنها صحيحة معول عليها
وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو عبد البصري والكرخي إلى امتناعها وحكاه الشيخ محي الدين النووي في شرح المذهب وجها لأصحابنا وكذلك