للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الوقت الحاضر لاستأصلونا وأما هذا فجاز أن يهلكه الله تعالى قبل أن يصدر منه ما يتوقع في المستقبل ولا يتصور قطع في ذلك فإن قلت كيف يجوز هذا في مسألة الترس وها هنا على ما ذكر الغزالي وقد قدمتم في كتاب القياس أن المصلحة إذا علم إلغاؤها بمخالفة النص لم تتبع كإيجاب صوم شهرين على الملك المجامع في نهار رمضان وهذا يخالف قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً١} وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ٢} فإن زعمتم أن نخصص العموم بصورة ليس فيها خطر كلي فليخص العتق بصورة يحصل بها الانزجار على الجناية

قلت جعل الغزالي المسألة في محل الاجتهاد قال ولا يبعد المنع من ذلك ويتأيد بمسألة السفينة فإنه يلزم منه قتل ثلث الأمة في استصلاح ثلثيها ترجيحا بالكثرة إذ لا خلاف في أن كافرا لو قصد قتل عدد مخصوص كعشرة مثلا وتترس بمسلم فلا يجوز لهم قتل الترس في الدفع بل حكمهم حكم عشرة أكرهوا على قتل أو اضطروا إلى أكل أحدهم

وإنما نشأ هذا من الكثرة ومن كونه كليا لكن الكلي الذي لا يحصره حكم آخر أقوى من الترجيح بكثرة العدد ولهذا لو اشتبهت أخته بنساء بلدة حل له النكاح ولا يحل له إذا اشتبهت بعشرة أو عشرين ولا خلاف أنهم لو تترسوا بنسائهم أو ذراريهم قتلناهم وأن التحريم عاما لكن تخصيصه بغير هذه الصورة بل أبلغ من هذه الصورة أنه لو لم تكن المصلحة ضرورية

وإنما كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم واحتمل الحال تركهم لجاز رميهم على أحد قولي الشافعي رحمه الله لئلا يتخذ ذلك ذريعة للجهاد فإذا خصص العموم بما ذكرناه كذلك ها هنا التخصيص ممكن وقول القائل هذا سفك دم معصوم يعارضه أن في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حصر لها ونحن نعلم أن الشرع يؤثر حفظ الكلي على الجزئي وأن حفظ أصل الإسلام عن اصطدام


١ سورة النساء آية ٩٣
٢ سورة الإسراء آية ٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>