للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمل بكل واحد منهما فإن أمكن ولو من وجه دون وجه فلا يصار إلى الترجيح بل يصار إلى ذلك لأنه أولى من العمل باحدهما دون الآخر إذ فيه أعمال الدليلين والأعمال أولى من الإهمال ثم العمل بكل واحد منهما يكون على ثلاثة أنواع

أحدها أن يتبعض حكم كل واحد من الدليلين بأن يكون قابلا للتبعيض فيبعض بأن يثبت بعضه دون بعض وعبر الإمام عن هذا النوع بالاشتراك والتوزيع ومن أمثلته دار بين اثنين تداعياها وهي في يدهما فإنها تقسم بينهما نصفين لأن ثبوت المالك قابل للتبعيض فيتبعض ومنها إذ تعارضت البينتان في الملك على قول القسمة

الثاني أن يتعدد حكم كل واحد من الدليلين أي يقتضي كل واحد من الدليلين أحكاما متعددة فيحمل واحد منهما على بعض تلك الأحكام ومثاله ما روي أن إعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال١ فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله" قال نعم قال: "أتشهد أن محمدا رسول الله" قال نعم قال: "فأذن في الناس يا بلال فليصوموا غدا" فهذا الخبر يقتضي ثبوت رمضان بشهادة الواحد ويترتب عليه وجوب الصوم وحلول الدين المؤجل ووقوع الطلاق والعتاق المعلقين به وهو معارض للقياس فإنه يقتضي عدم ثبوته بقول الواحد كما في سائر الشهور ويترتب على عدم ثبوته عدم ترتب شيء مما ذكرناه فيحمل الأول على وجوب الصوم والقياس على عدم حلول الأجل والطلاق والعتاق وهذا قد صرح به القاضي الحسين والبغوي لكن قال الرافعي لو قال قائل هلا يثبت ذلك ضمنا كما سبق نظيره لا حرج إلى الفرق والذي سبق أنا إذا قلنا بالقول الصحيح وضمنا بقول الواحد لم ير الهلال بعد ثلاثين أفطرنا على أحد الوجهين وإن كنا لا نفطر بقول واحد ابتداء ولا يثبت به هلال شوال على المذهب الصحيح وذلك لأنه يجوز أن يثبت الشيء ضمنا بما لا يثبت به أصلا ومقصودا ألا ترى أن النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا


١ أخرجه البخاري والترمذي من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما "تحفة الأحوذي ٣/٣٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>