عند الجمهور مقتضى البراءة الأصلية ونقل الخبران المقرر والناقل فلا يتأتى هذا الاحتجاج إذ يلزم تعطيل الناقل بالكلية لعدم وقوع العمل به في شيء من المدة بخلاف المقرر فإن الحكم العقلي يصير مستندا إليه ويصير شرعيا كذا ذكره النقشواني ولقائل أن يقول يتساقط الخبران بالتعارض ونرجح بالبراءة الأصلية ولا نقول إن الحكم العقلي صار شرعيا ولا نرجح أحد الخبرين لموافقته الأصل كما هو قضية تقرير الإمام والمصنف ونحمل قولهم أن المقرر راجح على أن العمل بمضمونه ثابت بالدليل العقلي الثاني ذهب الأكثرون وبه جزم المصنف إلى ترجيح المقتضى للتحريم وقال آخرون بترجيح المقتضى الإباحة لأن الإباحة تستلزم نفي الحرج الذي هو الأصل وحكاهم الشيخ أبو إسحاق وجهين وذهب الغزالي إلى أنهما يستويان لأنهما حكمان شرعيان صدق الراوي فيهما على وتيرة واحدة واحتج الأولون بوجهين ذكرهما في الكتاب أحدهما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال١" وهو حديث رواه لا أعرفه والثاني أن الأخذ بالتحريم احتاط لأن الفعل إن كان حراما ففي ارتكابه ضرر وإن كان مباحا فلا ضرر في تركه وهذا ما اعتمد عليه الشيخ أبو إسحاق ولهذا إذا طلق إحدى زوجتيه حرمتا إلى البيان ومن أمثلة الفصل روى أحمد بن حنبل بطريقين متصلين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وروي الدارقطني بسنده سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النبيذ حلال وحرام قال: "حلال" فيرجح الأول الثالث إذا ورد خبران مقتضى أحدهما التحريم والآخر الإيجاب فذهب المصنف إلى التسوية بينهما وإليه أشار بقوله ويعادل الموجب أي يعادل الخبر المحرم يقتضي استحقاق العقاب على الفعل كتضمن الموجب العقاب على الترك ورجح آخرون المقتضى للتحريم لأن المحرم يستدعي دفع المفسدة وهي أهم من جلب المصلحة وبه جزم الآمدي
١ حديث صحيح رواه البخاري: كتاب البيوع باب الحلال بين والحرام بين ومسلم: كتاب المساقاة والمزارعة باب أخذ الحلال وترك الشبهات ٤/١١٠بشرح النووي كما رواه أبو داود كتاب البيوع باب:احتناب الشبهات ٢/٢٢٨