وصف زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء معاقد المصالح ودرء مواقع المفاسد إلى غير ذلك
وهذا ليس داخلا في مفهوم شيء مما تقدم لتحقيق الفتيا بمجرد الإخبار عن الله تعالى والحكم بالتصدي لفصل الخصومات دون السياسة العامة لا سيما الحاكم الضعيف الذي لا قدرة له على التنفيذ إذا أنشأ الحكم على الملوك الجبابرة فهو إنما ينشئ الإلزام على ذلك الملك ولا يخطر بباله السعي في تنفيذه لتعذر ذلك عليه فظهر أن الحاكم من حيث هو حاكم ليس له إلا الإنشاء وأما قوة التنفيذ فأمر زائد على كونه حاكما فصارت السلطة العامة التي هي حقيقة الإمامة مباينة للحكم من حيث كونه حكما وأما الرسالة فليس يدخل فيها إلا التبليغ عن الله تعالى ولا يستلزم هذا تفويض السياسة العامة إليه فكم بعث الله من رسول لم يطلب منه غير التبليغ لإقامة الحجة من غير أن يأمره بالنظر في المصالح العامة وبوضوح الفرق بين الرسالة والإمامة يظهر بينهما وبين النبوة إذ النبوة خاصة بالموحى إليه لا تعلق لها بالغير
فإن قلت فهل لهذه الحقائق المفترقة آثار في الشريعة قلت نعم فإن كل ما فعله عليه السلام بطريق الإمامة من إقامة الحدود وترتيب الجيوش وغير ذلك لم يجز لأحد أن يفعله إلا بإذن إمام الوقت الحاضر لأنه عليه السلام إنما فعله بطريق الإمامة ولا استبيح إلا بإذنه وكلما فعله بطريق الحكم كفسوخ الأنكحة والعقود وغير ذلك لم يقدم عليه أحد إلا بالحكم الحاكم في الوقت الحاضر إقتداء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقرن تلك الأمور إلا وأما تصرفه عليه السلام بالرسالة والتبليغ أو الفتيا فذلك شرع يتقرر على الخلائق إلى يوم الدين من غير اعتبار حكم ولا إذن أمام وإنما هو عليه السلام بلغ الخليقة ارتباط ذلك الحكم بذلك السبب وخلى بينهم وبين ربهم كأنواع العبادات وغيرها فإذا تصرف صلى الله عليه وسلم تصرفا فقد يتضح كونه تصرفا بالإمامة أو بالقضاء أو بالفتيا
وقد علمت حكم كل قسم وقد يتردد بين هذه الأقسام ويتشاجر العلماء على أيها نحمل وفي المسائل الداخلة في هذا كثرة ولكنا نورد منها ما شهد به