للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدلالة الدليل على الحكم لأنه عبارة عن طلب دلالة الدليل على الحكم والطلب مسبوق على المطلوب فيكون الاجتهاد متأخرا عن الدلالة والدلالة متأخرة عن الحكم بها لأنها نسبة بين الدليل الذي هو المطلوب والمدلول الذي هو الحكم والنسبة متأخرة عن كل واحد من الأمرين لتوقف تحققها على تحققهما فيلزم منه أن يكون الاجتهاد متأخرا عن الحكم بمرتبتين لتأخره عن الدلالة المتأخرة عن الحكم فلو تحقق الاجتهاد أي كان كل مجتهد مصيبا لاجتمع النقيضان لاستلزامه ثبوت حكمين متناقضين في نفس الأمر بالنسبة إلى مسألة واحدة وهذا الدليل فيه نظر فإنا وإن سلمنا أن الاجتهاد طلب الدلالة فلا نسلم أن طلب الشيء يتوقف على ثبوته في الخارج بل على تصوره فقط ثم إنه لا يثبت به إلا أحد شطري ما ادعاه فإنه لا يدل على سقوط الإثم عن المخطئ وحصول الأجر له

الوجه الثاني:الحديث الذي ذكره في الكتاب واللفظ في الصحيحين:"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فله أجر١" دل الحديث على أن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب وهو المدعي

فإن قلت لا ينافي ذلك كون كل مجتهد مصيبا إذ يتصور الخطأ عند القائلين بهذه المقالة وذلك فيمن لم يستفرغ الوسع في الطلب مع كونه غير عالم بالتقصير فإنه مخطئ غير آثم للجهل بالتقصير فلعل هذه الصورة هي المرادة من الحديث قلت هذا تخصيص بصورة نادرة من غير دليل وأيضا أن تحقق الاجتهاد المعتبر فيما ذكرته فقد ثبت المدعي وهو خطأ بعض المجتهدين في الجملة وإلا فلا يجوز حمل الحديث عليه من غير صادف عن حمله على الاجتهاد المعتبر لأن الشرعي مقدم على العرفي واللغوي واعلم أن الاستدلال بالحديث قوي كانت المسألة ظنية ولكن المسألة قطعية كما صرح بها الأصوليون على اختلاف طبقاتهم

وبذلك تحل شبهة من قال ليس كل مجتهد مصيبا لقول من قال من


١ البخاري: باب أجر الحاكم إذا اجتهد ومسلم: كتاب الأقضية كما رواه الإمام أحمد من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة

<<  <  ج: ص:  >  >>