للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الحق ولا سفه في قيام طلب الفعل بذاته ممن سيوجد كما أنه لا سفه في أن يقوم بذات الأب طلب تعلم العلم من الولد الذي سيوجد ولو قدر بقاء ذلك الطلب حتى وجد الولد صار مطالبا بذلك الطلب ومأمورا فكذلك المعنى القائم بذات الله الذي هو اقتضاء الطاعة من العباد قديم تعلق بعباد على تقدير وجودهم فإذا صاروا مأمورين بذلك الاقتضاء وهذا الجواب الصحيح إلا أن قياس الغائب على الشاهد لا يصح فإنا نسلم أنه يقوم بذات الأب طلب للتعلم من ابن سيولد وإن كان الغزالي في طائفة قالوا إن ذلك ثبت للذاهبين إلى كلام النفس بل يقول إنما يقوم بذاته أنه لو وجد لطلب منه فإن قلت إنما كان ذلك لأن الشاهد غالبا لا يستيقن وجود ولد له إذ لا علم له بالغيب بخلاف من يعلم أن فلانا يوجد في الوقت الفلاني لا محالة بتقديري وإرادتي ونحن نفرض شخصا أخبره صادق بأنه يولد لك علم ولا بدع أن يقوم في نفسه والحالة هذه ما ذكرناه.

قلت ولو فرضت ذلك لم نسلم صحة قيام ذلك في نفسه وكيف يطلب ولا مطلوبا منه.

فإن قلت فما الفارق والحالة هذه بين الغائب والشاهد حيث أجزتم صحة قيام ذلك بذات الله بخلاف الشاهد؟

قلت الله تعالى ليس كلامه إلا النفسي ولا يمكن أن يكون قيامه بذاته حادثا وإلا يلزم أن يكون محلا للحوادث تعالى الله عن ذلك فلذلك لزم من هاتين المقدمتين أعني امتناع كون كلامه غير نفسي وامتناع كونه محلا للحوادث أن يكون الأمر قائما بالذات في القدم وتعلقه بالمأمور حادث على حسب استعداده وأما الشاهد الذي لا يستحيل على ذاته قيام الحوادث بها وأمره يصدق طورا باللسان وطورا بالجنان فلا ضرورة بنا إلى تقدير قيام الطلب بذاته من معدوم ومالنا لا نؤخره إلى حين يوجد ذلك المعدوم فوضح السر في كون أمر الله تعالى من الأزل وثبوت الفارق بين الغائب والشاهد وأنه لا يصح قياس أحدهما على الآخر وما ذكره الخصوم من الحسن والقبح والهذيان

<<  <  ج: ص:  >  >>