والسفه والانتظام والاتساق في أمر ولا مأمور وغيرها كلها من نعوت المحثات والقديم يتقدس عنه ويحقق هذا أن من أحب أن يحيط علما بقطر البحار وأوراق الأشجار عد سفيها واستقبح منه ما أتى به بخلاف الرب سبحانه وتعالى فالمعدوم الذي وجد أنه متوقف على أمره وقد قدر وجوده في وقت معلوم لا يتخلف عنه على صفة معلومة لا انفكاك لها دون أمره نازل عنده منزلة الموجود فهو يأمره وينهاه ولا قبح هذا في جانب الباري سبحانه وتعالى وهذا واضح لمن تدبره ومن أراد الزيادة فالكتب الكلامية التي وضعها أصحابنا بين أظهرنا.
وإمام الحرمين قال إن هذا الموضع مما يستخير الله فيه ووعد بإملاء مجموع عليه وقال قول القائل إنه مأمور على تقدير الوجود تلبس فإنه إذا وجد لم يبق معدوما ولا شك أن الوجود شرط في كون المأمور مأمورا وإذ لاح ذلك بقي النظر في أمر بلا مأمور وهذا معضل إذن فإن الأمر من الصفات المتعلقة وفرض متعلق ولا متعلق له محال انتهى وفيما أوردناه كفاية.
فائدة قال إمام الحرمين في التخليص المختصر من التقريب والإرشاد ذهب بعض من لا تحقيق له إلى أن الأمر إنما يتعلق بالمعدوم بشرط أن يتعلق بموجود واحد فصاعد ثم يتبعه المعدومون على شرط الوجود وسقوط هذا واضح.
تنبيه: قد يسأل عن الفرق بين هذه المسألة وبين قولنا لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع فإن الأزل قبل ورود الرسل بالضرورة وقد نفينا الأحكام قبل ورودهم ثم وأثبتناها هنا في الأزل والجواب ما تقدم في خلال الكلام من أن معنى قولنا لاحكم قبل ورود الشرع أن الخطاب إنما يتعلق بما بعد البعثة لا بما قبلها فالمنفي هناك تعلق الأحكام لا ذواتها فلا تناقض بين الكلامين.