فإن قلت التصديق والتكذيب والصدق والكذب نوعان للخبر والنوع إنما يعرف بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس به لزم الدور.
قلت أجاب القرافي بأن الحد هو شرح ما دل اللفظ الأول عليه بطريق الإجمال لأن من سمع لفظ إنسان وجهل مسماه يقال له هو الحيوان الناطق فإن كان جاهلا بالحيوان الناطق فسد الحد لأن الحد بالمجهول لا يصح فتعين أن يكونا معلومين له ومتى كانا معلومين فمن علم الحيوان والناطق فقد عرف الإنسان لأنه ليس شيئا غيرهما فعلمنا أن كان عارفا بحقيقة الإنسان وإنما كان جاهلا بمسمى اللفظ على التفصيل وكان يعلمها من حيث الإجمال جاز أن يكون السائل عالما بمدلول لفظ الصدق والكذب وجاهلا بمدلول لفظ الخبر فيبين له مدلول لفظ الخبر بمدلول لفظ الصدق والكذب.
قال ولا يقال العلم بالنوع يستلزم العلم بالجنس لاستلزام العلم بالمركب العلم بالمفرد لأن الجهل هنا إنما وقع من وضع لفظ الخبر للخبر لا في نفس الخبر ولا تنافي بين العلم بالخبر والجهل بوضع لفظه له فإن المرء قد يعلم حقيقة ولا يعلم اسمها.
فإن قلت الصدق والكذب ضدان يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا أحدهما أم هما معا فلا وإذا كان المحل لا يقبل إلا أحدهما المتعين في الحد صيغة أو التي لأحد الشيئين دون الواو التي للشيئين معا هو الذي ارتضاه إمام الحرمين وقال من قال الصدق والكذب أوهم اتصالهما بخبر واحد فإذا ردد ونوع فقال ما يدخله الصدق أو الكذب فقد تحرز.
قلت ما ذكرناه هو الصواب وذلك لأنه لا يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم ولو وجد أحد القبولين دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود لزم كون الممكن مستحيلا وإن كان مستحيلا هو العدم