وقال قائل بل هو عام والمشروعية مضمرة أي ولكم في مشروعية القصاص حياة وذلك لأن الناس إذا سلموا أن القصاص مشروع كان أدعى لاندفاع القتل ما بينهم لأن من هم بالقتل واستحضر أنه يقتص منه انكف عن القتل غالبا.
واعلم أن هذا التأويل الثاني هو الصحيح وإن كان الأول مترجحا من جهة أولوية التخصيص وكذلك كل ما أوردناه من هذا الفصل من الأمثلة فإنا غير حاكمين عليه بالترجيح إلا من جهة ما أوردناه له مثالا ولا يشترط أن يكون مرجوحا من وجه آخر هو أقوى أو مساو لذلك ذكرنا في بعض الأمثلة أن الترجيح يندفع بالأمر الفلاني تنبيها على ما أشرنا إليه الآن ومن أمثلة هذا الوجه العاشر أن يقول المالكي الكلب طاهر لقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ١ والضمير في أمسكن عام في جملة الجوارح فيندرج فيه الكلب فيجوز أكل موضع فمه عملا بالظاهر فيكون طاهرا فيقول الشافعي يلزم على ما ذكرتموه جواز أكل ما أمسك بعد القدرة عليه من غير ذكاة وليس كذلك فيلزم التخصيص بل ههنا إضمار تقديره كلوا من حلال ما أمسكن عليكم وكون موضع فمه من الحلال محل النزاع فللمالكي أن يقول على ما ذكرناه يلزم التخصيص وعلى ما ذكرتموه يلزم الإضمار والتخصيص أولى.
ومنها قولنا لا يصح صوم رمضان إلا بنية الفرض خلافا لأبي حنيفة حيث قال يصح بمطلق النية أو بنية النقل ونية واجب آخر لنا "إنما الأعمال بالنيات" ويقتضي توقف ذات الأعمال على نياتها كما يقال إنما الكتابة بالقلم ويلزم من توقف ذوات الأعمال توقف صحتها لاستحالة وجود الصحة بدون الذات والمراد بالنيات نيات الأعمال فاقتضى توقف صحة كل عمل على نيته فيتوقف الفرض على نية الفرض.
فإن قلت الكمال مضمر في الحديث إذ لو لم يضمر لزم التخصيص بالأعمال التي لا تتوقف على النية كرد الودائع والغصوب.