فصار عند المعتزلة حكمان أحدهما عقلي والآخر شرعي تابع له والفقه هو العلم بالثاني فلذلك احترز عن الأول عندهم وكلام هذا الشارح يقتضي أنهم يطلقون على العلم بالأحكام العقلية فقها وليس كذلك فإذا تؤمل كلام الإمام كان ردا على ما قاله هذا الشارح وهذا المعتمد وغيره من كتب المعتزلة وفيها اعتبار الأحكام الشرعية في تعريف الفقه وقال هذا الشارح أيضا إن وجه نسبة الأحكام إلى الشرع أن تعلقاتها التنجيزية أو العلم بتعلقاتها التنجيزية مستفاد من الشرع لا أن نفس الأحكام أو تعلقاتها العلمية مستفاد من الشرع فإن الشرع حادث والأحكام وتعلقاتها العلمية قديمة والقديم لا يستفاد من الحادث انتهى ما قاله وكأنه لما رأى الأصحاب يقولون لا حكم قبل الشرع وأمثال هذه العبارة قاصدين لا حكم قبل البعثة توهم أن الشرع هو البعثة فقال إنه حادث وليس كما قاله ولا كما توهمه وإنما الشرع ما قدمناه.
وأما قول الأصحاب فمرادهم به لا حكم قبل العلم بالشرع أو عبروا بالشرع عن البعثة على سبيل المجاز لأن بها يعرف ويظهر وهذا هو الأظهر من مرادهم وصاحب هذا الكلام لم يذكر كلام الأصحاب هذا ولكني أنا ذكرته جاحدا له ودفعته فإني استنكرت قول الشرع حادث أما سمع قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} ١ فإن كان الشرع حادثا فالحكم حادث وهو لا يقول به وإن قال به رد عليه ثم مضمون كلام هذا القائل أن يكون الأحكام في الأزل ثابتة وهي غير شرعية وهذا شيء لم يقل به أحد أما أن ذلك مضمون كلامه فلأنه صرح بأن الأحكام قديمة وفسر نسبتها إلى الشرع بشيء حادث وأما أن ذلك لم يقل به أحد فلأن الناس منهم من قال الحكم الشرعي قديم ومنهم من قال الحكم حادث أما قدم الحكم وحدوث كونه شرعيا فلا قائل به فإن قال نسميه شرعيا لأنه بصدد أن يستفاد من الشرع الحادث قلنا نسميه شرعيا لأنه حكم من الشارع الحقيقي القديم.
"الوجه الخامس قوله العملية" قيل يم يذكره ابن الباقلاني وذكره غيره وقال الإمام أنه احتراز عن العلم بكون الإجماع حجة والقياس حجة فإن كل ذلك أحكام