وهذا الظن الذي أراده المصنف بقوله والظن في طريقه وأكثر الناس إذا وصلوا إلى هذه النتيجة وقفوا عندها واعتقدوا أنها الفقه وهو الظاهر من اصطلاح الفقهاء وعليه بنى السائل سؤاله والأصوليون لم يقفوا عند ذلك لأن الظن لا يجوز اعتماده حتى يدل عليه دليل فنظروا وراء ذلك وقالوا لما حصلت هذه النتيجة وهي اعتقاد كون الوتر سنة ظنا ركبنا قياسا آخر من مقدمتين هكذا الوتر مظنون سنيته وكل ما هو مظنون سنيته فهو سنة في حق من ظنه.
والمقدمة الأولى قطعية لأنها وجدانية فإن الظان يجد من نفسه الظن كما يجد الجوع والشبع والمقدمة الثانية قطعية لقيام الإجماع على أن حكم الله في كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده وفي حق من قلده حتى لو اعتقد خلاف الإجماع لدليل كان حكم الله في حقه إلى أن يطلع على مخالفته وهذا الإجماع نقله الشافعي في الرسالة والغزالي في المستصفى وإذا تقررت المقدمتان كانت النتيجة الوتر سنة في حق من ظنه وهي قطعية لأنها تابعة لمقدمتين قطعيتين ولا يضرها وقوع الظن في مقدمتي القياس الأول ونتيجته وهي طريق القياس الثاني لأن الظن إنما يضر إذا كان في مقدمات الدليل وهنا مقدمتا القياس قطعيتان والمظنون خارج عنهما ووجود الظن الذي هو حاصل مقدمة القياس الثاني ليس مظنونا وهذا التقرير على حسنه إنما يفيدنا القطع بوجوب العمل فلذلك اختار جماعة أن الفقه هو العلم أو الظن والإنصاف أنهما مقامان اعتقاد كون الحكم عند الله كذا لا يمكن دعوى القطع فيه واعتقاد وجوب العمل بما ظنه من ذلك دعوى القطع فيه ممكنة والفقهاء نظروا للأول والأصوليون نظروا للثاني ولا مشاححة في الاصطلاح ولم يتوارد اختلافهما على شيء واحد على أني أقول قولهم حكم الله في حق كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده سبيله أنه يجب عليه اتباعه ودعواهم الإجماع بهذا التفسير صحيح وبغير هذا التفسير ممنوع فإذا قلنا المصيب واحد والمخطيء معفو عنه لا يستمر هذا الإطلاق وإن كان بعضهم قال إنه يتعين التكليف ولكن يجب حمله على أنه يأثم بترك ما ظنه واجبا وبفعل ما ظنه حراما لجراءته على ربه بحسب اعتقاده وأما أن ذلك يصير في حقه كالواجب والحرام في نفس الأمر فلا يمكن وإذا ظن زوجه أجنبيه فوطئها يأثم ولكن أيميز إثمه أو يساوي إثم الزاني.