شيئين فليس قول الغزالي إنما اختار الغزالي ما أوردناه وهذه عبارة المستصفي وقد ذهب ذاهبون إلى أن وضعه للوجوب وقال قوم بل للندب وقال قوم يتوقف فيه ثم منهم من قال هو مشترك كلفظ العين ومنهم من قال لا ندري أيضا أنه مشترك أو وضع لأحدهما واستعمل في الثاني مجازا والمختار أنه يتوقف فيه انتهى.
وقد حكى الشيخ الهندي عن الشيخ والقاضي وإمام الحرمين والغزالي التوقف في أنه حقيقة في الوجوب فقط أو الندب فقط أو فيهما بالاشتراك اللفظي أو المعنوي وهذا مغاير لهذا الذي سقناه عن الغزالي لتردده بين أربعة لا ثلاثة والذي في المستصفي ما رأيته وأما الشيخ والقاضي فقد ذكرنا النقل عنهما في أول هذا الفصل من كلام إمام الحرمين وأما إمام الحرمين فالذي صرح باختياره ما نصه من أنكر أن العرب ما فصلت بين قول القائل افعل وبين قوله لا تفعل فليس من التحقيق في شيء فإنا على اضطرار نعلم الفصل في ذلك كما نعلم الفصل بين قول القائل فعل وبين قوله ما فعل ولا معنى لبسط ذلك مع وضوحه فإذا سقط هذا رددنا القول إلى الإباحة التي هي تخيير ولا اقتضاء فيها ولا طلب وقلنا لا شك في فصل العرب بين قول من يقول لا حرج عليك فعلت أو تركت وبين قول افعل فان الصيغة الأخيرة مقتضاها طلب لا محالة وليس في الإباحة من الطلب شيء فقد لاح سقوط الإباحة عن متضمن الصيغة ولم يبق الا الندب والندب من ضرورة معناه التخيير في الترك وليس في قول القائل افعل تخيير في الترك أصلا وقد تعين الآن أن نبوح بالغرض الحق ونقول افعل طلب محض لا مساغ له لتقدير الترك فهذا مقتضى اللفظ المجرد عن القرائن فان قيل هذا مذهب الشافعي واتباعه وهو المصير إلى اقتضاء اللفظ إيجابا قلنا ليس كذلك فان الوجوب عندنا لا يعقل دون التقييد بالوعد على الترك وليس ذلك مقتضى تمحيص الطلب فإذا الصيغة لتمحيص الطلب والوجوب مدرك من الوعيد هذا لفظه ثم قال وأنا أبني على منتهى الكلام شيئا يقرب ما اخترته من مذهب الشافعي فأقول ثبت في موضوع الشرع أن التمحص في الطلب موعد على تركه وكلما يكون كذلك فلا يكون إلا واجبا انتهى.