وحاصل هذا الذي اختاره حمل الصيغة على الاقتضاء والطلب وقصار المستفاد منها من جهة اللسان الطلب الجازم وكون هذا الطلب موعدا عليه شيء آخر ثابت في أوامر الشرع بالدليل الخارجي فالوجوب مستفاد بهذا التركيب من اللغة والشرع فقد وافق القائلين بالوجوب وإن كان قد خالفهم في هذا التركيب ونقل المازري في شرح البرهان هذا الذي اختاره إمام الحرمين عن الشيخ أبى حامد الإسفرايني وقال إنه صرح به وسبقه إلى اختياره فأشار إلى أن الأمر يقتضي حصر المأمور على الفعل فاقتضاه منه اقتضاء جزما ولكن إذا ثبت هذا من جهة اللسان ثبت بعده الوعيد وهذا هو الذي اختاره الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو المختار عندنا فان الوعيد لا يستفاد من اللفظ بل هو أمر خارجي عنه ولكننا نقول المنقول عن الشافعي أن الصيغة تقتضي الوجوب ومراده الصيغة الواردة فى الشرع إذ لا غرض له في الكلام في شيء غيرها ولم يصرح الشافعي بأن اقتضاها للوجوب مستفاد منها فلعله يرتضي هذا التركيب ويقول به ويكون ما ذهب إليه الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو الذي ذهب إليه إمامهما.
واعلم أن هذا المذهب المختار مغاير للمذهبين اللذين حكياهما عند حكاية القول بالوجوب في ان ذلك هل هو بالشرع أو اللغة فتصير المذاهب أربعة:
الوجوب بالشرع والوجوب باللغة والوجوب بضم الشرع إلى اللغة وعدم الوجوب.
فان قلت: كيف يقال بأن الوجوب مستفاد من وضع اللغة؟
قلت: هو بعيد كما أشرنا إليه ولكنه هو مذهب مصرح به كما عرفت وممن ذكره الشيخ أبو اسحاق والقاضي أبو بكر في مختصر التقريب لإمام الحرمين وقال إن الأكثرين من القائلين بأن الصيغة تقتضي الوجوب عليه وأنه كذلك بأصل الوضع لأنه قد ثبت في إطلاق أهل اللغة تسمية من خالف مطلق الأمر عاصيا وتقريعه وتوبيخه بالعصيان عند مجرد ذكر الأمر ولا يستوجب التوبيخ لا بترك واجب فاقتضى ذلك دلالة الأمر المطلق على الوجوب وقال المازري: