للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموافقة فكانت مخالفة الأمر عبارة عن الإخلال بمقتضاه فثبت أن تارك المأمور به مخالف وإنما قلنا مخالف الأمر على صدد العذاب لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ١ أمر مخالف الأمر بالحذر عن العذاب والحذر عنه إنما يكون بعد قيام المقتضى لوقوعه بدليل أنه يصح الأمر بالحذر عن الشيء بدون وجود المقتضى له ألا ترى أنه يقبح أن يقال لمن جلس تحت سقف قوي غير مائل إحذر أن يقع عليك ولا يقبح أن يقال ذلك لمن جلس تحت سقف مائل في معرض الوقوع وما ذلك إلا لأن المقتضي للوقوع قائم فيه فلولم يكن ترك المأمور به مقتضيا لوقوع العذاب لما حسن الأمر بالحذر عن العقاب ولا معنى لقولنا: إن الأمر يقتضي الوجوب إلا ذلك.

وفي هذا التقدير نظر سيأتي إن شاء الله تعالى.

واعترض الخصم بأربعة اوجه:

أحدها: منع المقدمة الأولى أي لا نسلم ان موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه وإنما هي اعتقاد حقيقته كونه حقا مستوجب القبول فالمخالفة هي إنكار حقيقته يعني اعتقاد أنه فاسد.

قلنا: هذا ليس موافقة للأمر بل موافقة للدليل الدال على حقيقة ذلك الأمر وهو المعجزة الدالة على صدق الرسول فاعتقاد حقية الأمر موافقة الدليل لا موافقة الأمر فإن موافقة الشيء عبارة عما يستلزم تقرير مقتضاه فإذا دل الدليل على حقية الأمر كان الاعتراف بحقيته مستلزما لتقرير مقتضى ذلك الدليل والأمر لما اقتضى دخول فعل المأمور به في الوجود كانت موافقته عبارة عما يقرر دخوله وإدخاله في الوجود يقرر دخوله فكانت موافقة الأمر عبارة عن فعل مقتضاه.

وثانيها: منع المقدمة الثانية وتقريره لا نسلم أنه تعالى أمر المخالف بالحذر


١ سورة النور آية ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>