"والموجبية والمانعية أعلام الحكم لا هو وإن سلم فالمعنى بهما اقتضاء الفعل والترك وبالصحة إباحة الانتفاع وبالبطلان حرمته".
هذا جواب عن السؤال الثاني بأحد طريقين: إما بأن تلك الأشياء التي ادعى خروجها عن الحد ليست أحكاما بل إعلاما بالحكم فلا معنى لكون الدلوك واجبا إلا أن الله تعالى أعلمنا به الوجوب ولا معنى لكون الوضوء شرطا إلا أن الله أعلمنا بعدمه بطلان الصلاة وإما بأن نسلم أنها حكم ونقول إنها ليست خارجة عن الحد بل راجعة إليه بتأويل وهو أن المعني بالموجبية اقتضاء الفعل وبالمانعية اقتضاء الترك ومعنى هذا أن موجبية الدلوك مثلا بمنزلة جعلت الدلوك معرفا لوجوب الصلاة والاقتضاء المذكور في الحد معناه وجبت الصلاة عند الدلوك وحاصل العبارتين سواء فبذلك يكون الحد جامعا وكلام المصنف ناطق بهاتين الطريقتين في الموجبية والمانعية وأما الصحة والبطلان فاقتصر فيهما على الجواب الثاني وهو رجوعهما إليه بتأويل وهو أن صحة البيع لا معنى لها إلا إباحة الانتفاع وفساده لا معنى له إلا حرمة الانتفاع وفيه نظر لأنا نعلل إباحة الانتفاع بالصحة وحرمته بالفساد والعلة غير المعلول ولأن بتمام الإيجاب والقبول تحصل الصحة ولا يباح الانتفاع حينئذ حتى يتم الخيار ويقبض ولم يذكر المصنف صحة العبادة وفسادها والسؤال وارد فيها أيضا وقد ذكر المصنف بعد هذا ما هو المعتمد في تفسير الصحة وهو أنها استتباع الغاية ومعناه أن العبادة أو العقد بحيث يترتب عليه أثره وهو الغاية المقصودة منه وغاية البيع مثلا إباحة الانتفاع فإن وقع البيع بحيث يكون كذلك كان صحيحا وإلا كان فاسدا وبهذا يصح تعليل إباحة الانتفاع بالصحة ويندفع توقف الإباحة على الخيار والقبض لأنه قد ينعقد السبب بحيث يترتب عليه مقصوده وإن توقف على شرط إذا وجد ذلك الشرط أضيف المشروط إلى السبب السابق إذا عرفت هذا فكون البيع بحيث يترتب عليه حل الانتفاع حكم ليس اقتضاء ولا تخيير فهو خارج عن الحد ورجوعه إليه بالطريق التي تقدمت في الدلوك وهو أن نقول الصحة نزلت منزلة قول الشارع جعلته مبيحا للانتفاع أي معرفا للإباحة والتخيير المذكور في الحد معناه إباحة الانتفاع عنده وحاصل العبارتين سواء.