بقي هنا نظر آخر وهو كون البيع بحيث يترتب عليه حل الانتفاع هل هو معنى شرعي زائد على الإيجاب والقبول وسائر ما يعتبر معه أو هو تلك الأشياء فقط بغير زيادة أو مجموعهما يحصل به ذلك فإن كان الأول وهو المشهور عند الجمهور كان ذلك المعنى حكما شرعيا مفارقا لذات الدلوك مساويا لجعل الدلوك معرفا للوجوب فلذلك تعللت بطلب الطريق للثاني إذ لا يمكن إنكار كون ذلك شرعيا وإن كان الثاني وهو مقتضى كلام بعضهم ساوى الدلوك من كل وجه أمكن أن يقال حينئذ إن معنى الصحة الإعلام بإباحة الانتفاع عند اجتماع تلك الأمور وليست حكما بل إعلاما بالحكم وكذلك إن جعلنا الصحة وقوع البيع أو العبادة على وفق الوجه المشروع وقلنا إن هذا معنى عقلي لا شرعي فيأتي الطريقان أيضا في الجواب.
"والترديد في أقسام المحدود لا في الحد".
هذا جواب عن السؤال الثالث وبيانه أن الترديد المنافي للتحديد هو الترديد في الحد وهنا ليس كذلك لأن الترديد إنما يكون في الحد لو كانت أو داخلة بين الجنس والفصل أو بين الفصول وههنا إنما وقعت بين أقسام الفصل الآخر وذلك أنه لما كان الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين يشمل الاقتضاء والتخيير وغيرهما أتى بالفصل الآخر ليخرج غيرهما ويصير الفصل أحدهما من غير تعيين أعم من كونه اقتضاء أو تخييرا فهذا القدر المطلق هو الفصل ولا ترديد فيه ولكنه ينقسم إلى اقتضاء وتخيير فأتت أو بين قسميه فلا يحصل بها إخلال في الحد والفصل مساو للمحدود وكل ما كان أقساما لشيء كان أقساما لمساويه فلذلك قال المصنف إنها في أقسام المحدود ولم يكن الحد بدون أحدهما مانعا فلذلك لا بد من الفصل بأحدهما مطلقا وأو داخلة بين المعنيين وكل منهما معينا أخص من أحدهما مطلقا ولو وجد عبارة تشملهما أو تخرج غيرهما استراح من هذا السؤال وجوابه وقد خطر لي أن يكون الإنشاء فإنه يخرج الخبر ويشمل الاقتضاء والتخيير فيقال هذا الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الإنشاء،