"والمباح ما لا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم" لا بد من الإتيان بلا بين الفعل والترك وبين المدح والذم وبذلك تخرج الأحكام الأربعة فإن الواجب يتعلق بفعل مدح وبتركه ذم والحرام عكسه والمندوب يتعلق بفعله مدح ولا ذم في تركه والمكروه يتعلق بتركه مدح ولا ذم في فعله هذا تمام الرسوم وفيها زيادة على ما اقتضاه التقسيم من تعريف حقائقها وهي فائدة جليلة كما إذا رأينا فعلا لم يرد في الشرع في فعله مدح ولا ذم ولا في تركه أو ورد مدح أو ذم فيحكم بمقتضى ذلك وإن لم تأت صيغة طلب ولا تخيير وقد تقدم التنبيه على أنه لا بد من التقييد في الشرع في الكل وقد تعرض له الإمام في المندوب وصاحب الكتاب تعرض له في الواجب والحرام لأن الذم فيهما وكما أن الذم الذي ثبوته علامة الواجب والحرام هو الذم الشرعي وهو أخص من انتفاء الذم مطلقا فبدون هذا القيد يكون الرسم غير جامع لخروج المباحات التي انتفى الذم الشرعي فيها ووجد فيها ذم عقلي أو عرفي وأعني بالتقييد أن يكون كل من الوصفين المذكورين في طرفي الأحكام الثلاثة ثابتا بالشرع والتنبيه لذلك في قول المصنف المباح ما لا يتعلق بفعله وبتركه مدح ولا ذم إن أراد به عرف من الشرع انتفاء ذلك فصحيح وإن أراد أنه لم يوجد في الشرع مدح ولا ذم كذلك فلا يلزم كونه مباحا فقد يكون باقيا على حكم الأشياء قبل ورود الشرع ولذلك قال الإمام المباح ما علم فاعله أنه لا حرج في فعله ولا في تركه ولا نفع في الآخرة وقول الإمام هذا احتراز عن فعل البهيمة وغير المكلف فلا يكفي في الإباحة عدم الحكم بذلك بل الحكم بعدمه ويحتاج في المندوب والمكروه أن يأتي بقوله شرعا في طرفي الفعل والترك جميعا وتصحيح كلام المصنف أن يحمل على أنه أراد ذلك فإنه محتمل له على أني أقول إن ما لم يوجد في الشرع دليل على مدح ولا ذم في فعله ولا في تركه مباح بأدلة شرعية وإنما أورد عليه فعل غير المكلف كالساهي والنائم والبهائم وطريق الاعتذار عنه ما ذكرته أو يقال إنه إنما يتكلم في فعل المكلف.