للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقسم القاضي الأفعال إلى متماثلة ومختلفة فالمتماثلة لا يتعلق الأمر باثنين مبهما ولا جمعا بلا تخيير كاللونين في مكان واحد لعدم غيرهما والمختلفان كاللون والكلام يصح الأمر والنهي عنهما جمعا وتخييرا والضدان يجوز النهي تخييرا والنهي عنهما جميعا ولا يصح الأمر بهما جميعا وصورة التحريم المخير صريحا يقول حرمت هذا أو هذا وكذا لو قال لا تفعل كذا أو لا تفعل كذا فإن قال لا تفعل أو تفعل كذا بإسقاط أو كذا أو قال لا تفعل كذا أو كذا احتمل النهي المخير والنهي عن كل منهما وهو في الثاني أظهر وعلى ذلك قوله: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ١ وقريب من هذا في المأخذ وإن اختلفا في الصورة قولك ما ضربت زيدا أو عمرا محتمل فإن قلت ولا عمرا كان نصا في أنه لم يضرب واحدا منهما وعند عدمها لا نص ولا ظهور في ذلك.

"والمكروه ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله" فبقوله يمدح خرج الواجب والمندوب والمباح وبقوله ولا يذم فاعله خرج الحرام وليس معنى المكروه أن الله لم يرد فعله وإنما معناه ما ذكرناه وليس هو حسنا ولا قبيحا وفي المكروه ثلاثة اصطلاحات:

أحدها: الحرام فيقول الشافعي أكره كذا وكذا ويريد التحريم وهو غالب إطلاق المتقدمين تحرزا عن قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} ٢ فكرهوا لفظ التحريم.

الثاني: ما نهى عنه نعي تنزيه وهو المقصود هنا.

الثالث: ترك الأولى كترك صلاة الضحى لكثرة الفضل في فعلها والفرق بين هذا والذي قبله ورود النهي المقصود والضابط ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه مكروه وما لم يرد فيه نهي مقصود يقال ترك الأولى ولا يقال مكروه وقولنا مقصود احتراز من النهي التزاما فإن الأمر بالشيء ليس إلا نهيا عن ضده التزاما فالأولى مأمور به وتركه منهي عنه التزاما لا مقصودا.


١ سورة الإنسان ٢٤.
٢ سورة النحل ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>