للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن السيد قد يقول للعبد اذهب غدا الى موضع كذا ولا يريد الفعل بل امتحان العبد ليتبين رياضته ثم يقول لا تذهب قلت ولا يخفى ان هذه الشبهة إنما ترد إذا كان الوجوب قد نسخ بالتحريم أما إذا نسخ بالجواز فليس الشيء مأمورا به ومنهيا عنه فان قلت الله تعالى يعلم من يمتثل ممن لا يمتثل والاختيار إنما يكون مما يستدعي خبرا يستفيد منه ما لم يكن عالما به قلت المراد إظهار ذلك للخلق والتنبيه بذكر العبد الممتثل بين العالم.

ألا ترى ان ابراهيم عليه السلام صار له بذلك لسان صدق في الآخرين وربما ان بعض من كان لا يؤمن به رآه قد بادر الى امتثال هذا الامر المدبر فصدق به وآمن وعرف انه على الحق المبين ومنهم من أجاب عن هذه الشبهة بأنه لم يجتمع الامر النهي في وقت واحد بل بورود النهي انقطع تعلق الامر وذكر القاضي في مختصر التقريب.

هذا وطريقة أخرى وهي ان نقول كان الرب تعالى قال افعل الفعل الفلاني تقربا منك الى ما دام الامر متصلا بك فإذا نهيتك عنه فلا تفعله تقربا الى ولا تقربا الى غيري ليتبين للعبد انه عند النهي منهي عن قصد التقرب بما أمر به أولا الى الله تعالى وهو منهي عن اصل فعله ايضا من غير قصد التقرب.

فائدة الصحيح عن جمهور العلماء ان الذبيح هو إسماعيل عليه السلام واحتجوا له بأمور كلها ظاهرة غير قطعية واستنبط والدي رضي الله عنه من القرآن دليلا على ذلك يقارب القطع أو يقتضي القطع بذلك لم يسبقه إليه أحد وهو ان البشارة التي وقعت لإبراهيم عليه السلام بالولد من الله تعالى كانت مرتين مرة في قوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فهذه الآية قاطعة في أن هذا المبشر به هو الذبيح.

وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} ١.


١ سورة هود آية ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>