فإن علمنا من مذهبهم جواز الكذب أما لنصرة رأيهم أو غير ذلك لم تقبل روايتهم وقد ادعى الاتفاق على ذلك مدعون وهذا عندي فيه تفصيل فإن اعتقدوا جواز الكذب مطلقا فالأمر كذلك وإن اعتقدوا جوازه في أمر خاص كالكذب فيما يتعلق بنصرة العقيدة أو الترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية لم يتجه الاتفاق إلا على رد رواياتهم فيما هو متعلق بذلك الأمر الخاص فقط وإن اعتقدوا حرمة الكذب ففيه مذهبان:
أحدهما: أنه لا يقبل وهو مذهب القاضي أبي بكر والقاضي عبد الجبار والغزالي والآمدي والأكثرين.
والثاني: يقبل وهو رأي الإمام وأتباعه وأبي الحسين البصري واستدلوا عليه بأن اعتقادهم حرمة الكذب بزجرهم عن الإقدام عليه فيحصل ظن صدقه فيجب العمل به.
قال القرافي وفيه نظر فإن من أهل الكتاب من يستقبح الكذب غاية الاستقباح ومع ذلك لا تقبل روايته بالإجماع واحتج القاضيان أبو بكر وعبد الجبار بقياسه على الفاسق قالا فإنه أعظم من الفاسق نكرا والفاسق مردود الرواية فليكن هذا هكذا بطريق الأولى وبالقياس على الكافر والمخالف في الملة بجامع الكفر والجواب أن الفرق بينه وبين الفاسق جهله بفسق نفسه فيحترز عن الكذب لذلك بخلاف الفاسق وأن الفرق بينه وبين المخالف أن كفر المخالف اغلظ.
وقد فرق الشرع بينهما في أمور كثيرة ولك أن تقيم هذا جوابا عن اعتراض القرافي الذي أوردنا فنقول إنما لم تقبل رواية أهل الكتاب وأن استقبحوا الكذب غاية لأن كفرهم اغلظ فكانوا بزيادة الإهانة أجدر والله أعلم.
قال الثالث: العدالة وهي ملكة في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر والرذائل المباحة.
ومن شروطه أن يكون عدلا ومعرفة كون الراوي عدلا يتوقف على معرفة العدالة عندنا عبارة عن استقامة السيرة والدين وحاصلها يرجع إلى أنها ملكة في